مشكلة الطاقة معقدة

01/27/2023 - 13:50 PM

بيروت تايمز

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

مشكلة الطاقة متشعبة أذ لا تقتصر على السعر والكميات المتوافرة، وانما ترتبط بقطاعات أخرى لا تقل أهمية عن الاقتصاد. لا شك أن أنظمة السوق لا تشكل الآلية المناسبة لحل المشكلة، بل أن تدخل القطاع العام ضروري بسبب نوعية السلعة وتأثيراتها المتشعبة. ارتباط الطاقة بالبيئة والصحة أساسي جدا لاستمرارية المجتمعات وانتاجيتها.

لذا من المتوقع أن تتعمق أكثر هذه المشكلة مع الحرب الأوكرانية والخيارات البيئية والصحية المعتمدة في الدول الصناعية أولا وفي غيرها ثانيا. تدخل الطاقة في صلب المنافسات السياسية والديموقراطية اذ ما يهم المواطن لمعيشته هو توافر النفط والغاز بأسعار مناسبة للتدفئة والتبريد والنقل. تشكل الطاقة احدى الحاجات الأساسية التي ينتخب بسببها المواطن في كل الديموقراطيات.

ليست المرة الأولى التي يمر بها العالم بأزمة طاقة حادة. مواجهة أزمات من هذا النوع تتطلب تضامنا اجتماعيا له أهداف منها نقل الاقتصاد من وضعه الحالي الى اقتصاد أخضر مبني على الطاقة النظيفة. نتذكر أزمة السبعينات التي أشعرت العالم الغربي ولأول مرة ربما، أن هنالك دول عربية مهمة جدا للاقتصاد العالمي ولا يمكن للمواطن الأميركي والأوروبي وغيرهما أن يعيش ويستمر من دونها. هل أزمة اليوم مؤلمة كما كانت أزمة السبعينات؟ هل هي جدية كما كانت أزمتا السبعينات؟

في الماضي كان الصراع يدور حول النفط فقط، بينما الآن تمتد المواجهة الى كافة أقسام الطاقة أي الغاز الطبيعي والفحم وحتى النووي بالاضافة الى الطاقات العادية من شمسية ومائية وهوائية وحرارية. تعقدت أزمة اليوم ليس فقط بسبب الحرب الأوكرانية وتعثر الانتاج والنقل وانما أيضا بسبب ارتفاع الطلب بعد الكورونا وتعافي العديد من المجتمعات المصابة خاصة في الغرب. لا يمكن للطاقات الأخرى أن تحل بسهولة مكان النفط اذ يمكن أن تعاني من نفس المشاكل كسلاسل الامدادات والتمويل وارتفاع التكلفة المباشرة وغير المباشرة.

المطلوب عالميا وفي كل الدول الأمن في الطاقة، أي توافرها بأسعار مقبولة للمواطن. تحقيق هذا الأمن يعتمد على تنويع المصادر، وهذا ما تعمل عليه حتى الدول النفطية الأساسية. الصين هي الدولة الأولى المستوردة للنفط والغاز وتهدف الى تنظيف طاقاتها كليا قبل سنة 2060. ستكون هنالك منافسة عالمية قوية حول الطاقة أي في تأمين المصادر المتنوعة مع احترام أكثر للتحديات الصحية والبيئية. لذا من الممكن أن يتعدى الصراع المنافسة الاقتصادية البحتة ليصل الى السياسة وربما الأمن. مؤتمر COP27 السنة الماضية في مصر بحث في مواضيع البيئة وكل ما يؤثر عليها كالطاقة. لكن ما يهم مصر أكثر اليوم، وعن حق، مشاكل الغذاء وتأمينه للسكان كما معالجة موضوع التضخم والتحديات الاجتماعية الكبيرة المرتبطة به. كان هذا المؤتمر بالتأكيد خطوة ايجابية كبيرة نحو تحقيق الأهداف ربما على المدى الطويل.

أزمة الطاقة اليوم عميقة ومعقدة لأسباب كثيرة نوجز أهمها كالآتي:

          أولا: الحرب الأوكرانية وتعثر نقل الطاقة سببا ارتفاع أسعارها. عدم توافر الغاز لأوروبا بالكميات المطلوبة يجعل الشتاء قارسا للمواطنين خاصة في ألمانيا. البدائل ممكنة لكنها اما تتطلب الوقت لتوافرها أو لأنها بعيدة جغرافيا وبالتالي تكلفتها عالية مما ينعكس سلبا على القوة الشرائية للمواطن الأوروبي.

          ثانيا: تطال العقوبات الغربية دول مهمة جدا على صعيد انتاج الطاقة والغاز تحديدا فينزويلا وايران. مصدر العقوبات سياسي وربما أمني، لكنها تنعكس سلبا على الاقتصاد وعلى نوعية العيش في الدول المستهلكة. الغاء العقوبات أو تخفيفها هو في يد الأمم المتحدة وخاصة في يد الولايات المتحدة التي يمكن أن تسهل اذا أرادت وضع الطاقة في أوروبا.

          ثالثا: توافر الطاقة بالكميات والأسعار المقبولة يعتمد أيضا على سياسات الدول المنتجة ضمن مجموعة أوبيك. طبعا يمكن للعديد من الدول العربية في الخليج وخارجه أن تزيد انتاجها حماية للعلاقات الدولية وتقوية للعلاقات المستقبلية مع الأوروبيين وغيرهم. لكن للدول المنتجة مصالح أيضا تريد حمايتها. هنالك دول أخرى قادرة على زيادة انتاجها ككندا بالاضافة الى الولايات المتحدة التي يمكن أن تعود الى النفط الصخري اذا تجاوزت الاعتراضات الشعبية والبيئية والمالية أي في التكلفة.

          رابعا: يحتاج العالم الى استثمارات كبرى في قطاع النفط ليس فقط في الانتاج والنقل وانما خاصة في المصافي التي أصبح العديد منها غير صالح، قديم أو غير منتج. هذا يتطلب توافر أموال كبيرة ربما يجب تأمينها سوية من قبل الدول المستهلكة والمنتجة.

          خامسا: يرتفع الطلب العالمي على النفط والغاز بسبب الطقس الحار صيفا والبارد شتاء. يمكن للمستهلك أن يرشد الاستهلاك وينوعه تجنبا لارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز العالمية. المستهلك العالمي يعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على تكنولوجيا الاتصالات للعمل من المنزل وتخفيف تكلفة النقل حماية لجيبه وللبيئة وحتى رفعا للانتاجية. نضيف اليه أن الصين القوية لم تطلب حديثا الكثير من الكميات بسبب اقفالها المرتبط بالكورونا. لو كانت الصين في وضعها العادي والطبيعي لكنا شاهدنا ارتفاعا كبيرا ايضافيا في أسعار الطاقة يصيب كل المجتمع الدولي بقوة وعمق. لا بد من اضافة واقع جديد وهو تعثر الاقتصاد الأميركي في نموه لأسباب داخلية وخارجية أهمها الانفاق العسكري لمساعدة أوكرانيا وحماية الحدود من المهاجرين من الجنوب. يشير هذا الواقع الى تدني الطلب المتوقع في بداية 2023 وبالتالي انخفاض الأسعار أكثر قريبا.

الأشهر القليلة المقبلة ستكون أساسية بالنسبة لأسواق الطاقة بسبب الوضع الأوروبي الاستهلاكي وتحديات البرد القارس. من الممكن أن تعود أوروبا الى الفحم الملوث والى النووي لانتاج الطاقة وبالتالي تعيد نفسها قسرا الى الوراء. لا بد من تحقيق تعاون عميق بين الحكومات والشركات المنتجة لتمرير هذه الفترة الخطيرة والفوز على التحديات تجنبا لخسائر مستقبلية أكبر.

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment