بقلم الدكتور لويس حبيقة
اعتمد لبنان النظام الرأسمالي منذ استقلاله ونجح في تنفيذه وتحقيق نمو قوي نوعي متواصل حتى سنة 1975. حصلت الحرب وتستمر بأشكال مختلفة مما يعيق حصول النمو الصحي الموزع على كل القطاعات والمناطق. تطور القطاع العقاري فعلا، وهذا جيد لكن الزراعة والصناعة وبعض الخدمات تعثر نموها لأسباب مختلفة منها مؤسساتي وقانوني ومالي وحتى عقائدي. تطور القطاع المصرفي، لكن الفقاعة حصلت والأزمة كبرت وان أخذ ذلك بعض الوقت. لن نستطيع بناء اقتصاد جديد وتعزيز القطاعات من دون قطاع مصرفي فاعل يستقبل الودائع ويعطي القروض المختلفة من سكنية واستهلاكية وتجارية وغيرها. يعاني القطاع المصرفي اللبناني اليوم من مشكلة كبيرة سيتطلب حلها بعض الوقت، أي مشكلة ثقة لا تحل الا عبر الممارسة الطويلة الشفافة وهذا لم يبدأ بعد.
ضمن سياسات العهد الجديد وحكوماته المتعاقبة ستكون هنالك خطوات واضحة لتصحيح الخلل المالي مبنية على العدالة والاقراض المدروس والشفافية الواضحة. النظام الاقتصادي الحر هو الأصلح للبنان ويجب الحفاظ عليه شرط أن يطبق بطريقة أفضل بحيث توضع حدود قاسية للفساد والغش والاستغلال. ترك النظام الرأسمالي يعمل بفوضى، أي دون رقابة أو قواعد أو قوانين، يعزز الفساد ويقتل المنافسة الشريفة بل يخلق احتكارات كبيرة مؤذية.
حقيقة هنالك عدة أنواع من الرأسمالية من ناحية تأثيرها على النمو ومحاربة الفقر. اذا هدف النظام الرأسمالي الى تحقيق النمو، لا يمكن أن يكون على حساب الفقر والعكس بالعكس. النظام الرأسمالي هو الذي يسمح للشركات الكبرى بالنمو كما يسمح للشركات الناشئة بالازدهار ضمن الامكانات والفرص الوطنية.
تكون الشركات الناشئة عموما مكونة من عدد قليل من الأشخاص وحتى أحيانا من شخص واحد، لذا مرونة النظام يجب أن تسمح لكل أنواع الشركات بالازدهار. فالشركات الناشئة تحتاج أكثر من غيرها الى مساعدة القطاع العام ماديا وتشريعيا وفي الاستشارات أيضا. هنا تكمن أهمية التكنولوجيا في استيعابها وتطبيقها من قبل الشركات، لكن النجاح يعتمد أيضا على وجود أسواق تسمح بتسويق المنتجات والخدمات بأسعار تنافسية مناسبة.
لا شك أن النمو الاقتصادي ليس الهدف الوحيد للمجتمع في الحياة. فالتنمية والعدالة والسعادة لا تقل أهمية. هنالك حدود للتقدم المادي يضعها مثلا المناخ وقد شهدنا أزمات مناخية مؤلمة في المنطقة وأوروبا وكاليفورنيا وغيرها حيث الدمار كبير والتكلفة باهظة والآلم عميق. اذا كان هذا حال مواطني الولايات المتحدة والدول الصناعية القادرة ماليا، فكيف يكون حالنا في لبنان وبقية الدول النامية والناشئة؟
هنالك حدود أخرى تضعها القوانين الاجتماعية والبنية التحتية والقدرة الاستيعابية للمواطنين مبنية على التعليم والصحة والاستقرار الاجتماعي. اعتاد المواطنون والمحللون على الاعتماد على الناتج المحلي الاجمالي لتقييم الأوضاع الداخلية لكن هذا لا يكفي لأن الناتج يقيس فقط السلع والخدمات التي يمكن تبادلها ولا تدخل فيه عوامل الصحة والتعليم والنشاطات الانسانية وغيرها. لا بد من تطوير المقاييس بحيث تعطي فكرة أفضل عن الأوضاع العامة الداخلية والدولية.
Comments