السفير د. هشام حمدان
يزيد عمر لبنان عن خمسة آلاف سنة. وقد شهد شعبه عبر هذه القرون الطويلة عشرات الجيوش الغازية. كما شهد وتأثر بالتحولات التي جرت حوله. إنخرط الشعب في واقع التحولات ألتي كان أهمها سيادة بالديانات والمذاهب الإبراهيمية .
واقع لبنان الجغرافي ولا سيما كثرة جباله، جعل الحروب على أراضيه أكثر صعوبة فعانت الجيوش الغازية من واقعه. وقد حذر النبي حبقوق بني إسرائيل منه وقال لا تغرقوا في وحول لبنان.
عاشت في جبال لبنان مجموعات سكانية تمايزت باختلاف انتماءاتها المذهبية والدينية. أقر لبنان الصغير لأكثر من ثماني عشرة طائفة بالعيش بحرية على أراضيه وكان هذا التنوع سمة مميزة لهذا الوطن.
من المؤسف أن المطامع الخارجية بلبنان والتي لم تتوقف طوال التاريخ، عادت بقوة فبدأت عدة دول منذ القرن الثامن عشر، تثير غرائز دينية وتستغل عائلات ضمن هذه المجموعات المختلفة، لخدمة مصالحها.
قامت تلك القوى بإغراء العائلات المنتقاة بالسلطة والمال كي تقاتل إلى جانبها. عززتها ودعمتها ومنحتها حمايتها وقدرات عملانية تساعدها.
إنقادت كل مجموعة سكنية الى عائلة أو أكثر، تقاتل تحت قيادتهم معتقدة أنها تحميها من مجموعات أخرى تقودها أيضا عائلات تعمل مع دول مختلفة.
تجذرت في شعبنا ثقافة الرضوخ للواقع بمن يقوده من غريب وقادة عائلات أزلام لهذا الغريب. لبنان لم يكن يوما بلدا له صوته الحر تصنع نغماته مصالحه، لأنه لم يكن له قيادة وطنية. كل القيادات مذهبية وطائفية.
جرت محاولات وخاصة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لتحويل لبنان إلى بلد علماني حديث لكنها لم تتحقق. كنت من الذين عملوا لهذا الغرض. دفع الخارج لبنان الى آتون حرب أهلية أعادت تجذير الولاءات المذهبية بين مكوناته السكانية. لم تمنعني نتائج الحرب من التوقف عن النضال لأجل العلمانية في لبنان.
نعم، ترك الصراع ضد الطائفية في لبنان وحوله على ثوبي. وهذا النوع من الوحول يصعب في الواقع التخلص منه. عانيت مع أهلي وأحبائي فسعيت الى الإبتعاد عن لبنان وتبني وطنا آخر لا تحكمه المذهبية والطائفية وإنما يسود فيه احترام الإنسان بحقيقته كإنسان أولا وقبل أي جانب آخر. اخترت أميركا حيث لا تمييز بين مواطن وآخر لأي سبب. ووعدت نفسي أن لا أسمح للوحول العالقة على ثوبي أن تأخذني مجددًا إلى مستنقعها.
حدثت المجازة التي أصابت الأقليات في سورية ومن بينهم الدروز. حكم اهل القاعدة من المسلمين المتشددين سورية. رأيت صورة وليد جنبلاط يصافح الجولاني الذي تتلطخ يداه بدماء ألوف الأبرياء من الأقليات. وهالني أنه يدعو ابناء جلدته إلى التسليم له.
كتبت بكل تهذيب مناشدًا له ولغيره عدم التدخل في الشأن الداخلي في سورية ومحذرًا من أن موقفه قد يؤدي إلى انقسام بين الدروز.
جاءت المذابح ضد أهلنا. لم يتدارك جنبلاط الأمر فيعتذر من موقفه المؤيد للجولاني كما فعل عندما اعتذر لحزب الله. بل ذهب يدعو الدروز الى العودة إلى الإسلام.
شعرت كغيري بالغضب وبالخوف على مصير شعبنا ليس كدروز فحسب بل كلبنانيين نعيش ثقافة العيش المشترك. كتبت بكل تهذيب مرة اخرى انبه الى واقع سورية المختلف عن تركيا التي يحكمها الاخوان، وضرورة احترام حقوق الأقليات فيه. رغم ذلك تستمر الحملة على الأقليات في سورية ويستمر التأييد الحنبلاطي للجولاني وترتفع شعارات التخوين للمناضلين من أهلنا في السويداء ألذين يقاتلون ضده.
عدت فكتبت بلغة المحارب ضد الطائفية والإقطاع. مشكلتي مع الوحول انني مجبول بتراب لبنان بما فيه من مستنقعات هذه الوحول. الكتابة والرأي بالنسبة لي ارقى أنواع التعبير الحضاري.
تعرضت لحملة من أقلام رموز لها كل الاحترام في نفسي. لامني أصدقاء وذكروني أن الوحول باتت تملأها رائحة كريهة بعد أن تلوثت بالدماء الأهلية. ما أصعب الوحول التي تتلوث بدماء الأهل فكيف إذا كان الدماء من صنع بعضهم البعض؟
لا أريد أن أكون جزءا من هذا الصراع بين الأهل. ولكنني أطالب وليد جنبلاط بالاعتذار عن خطئه. ربما يخفف ذلك من الإحتقان القائم.
اخيرا أقول لمن سأل عن مقامي وأعمالي، بأن يراجع تاريخ آل الحمدان وكذلك يراجع صفحات غوغل.
Comments