الصراع السياسي والاقتصاد

09/10/2022 - 08:36 AM

Orange County Health Care Agency

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

       

هنالك صراع عالمي بين الشعبوية والليبيرالية يؤثر على النتائج الاقتصادية داخل كل دولة. تعني الشعبوية سيطرة فريق عرقي أو عنصري أو ديني على مرافق الدولة، فيتجمع وراء زعيم يحمل تطلعاته تماما كما حصل مع الرئيس ترامب. تختصر الشعبوية الصراعات الكبيرة داخل الولايات المتحدة والتي تجلت بوضوح خلال عهدي الرئيسين أوباما وترامب. ترتكز الشعبوية على الاعتقاد أنه لا يمكن لكافة أقسام المجتمع أن تربح اقتصاديا في نفس الوقت، بل هنالك دائما رابح وخاسر. من يربح يحكم وبالتالي يحاول الفريق الآخر قلب المعادلة في الصراع، وهذا ما حصل عن قصد أو غير قصد في الولايات المتحدة تبعا للعديد من المفكرين.

فاز الرئيس أوباما بالرئاسة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشتها أميركا في 2008، فتميزت ادارته بالموضوعية والاعتدال. يشكل السود 13% من الشعب الأميركي، لكنهم يعانون من مشاكل اجتماعية عدة. 41% من المساجين هم من الرجال السود كما عدد الولادات من القاصرات السود هو ضعف العدد من الفتيات البيض. الدخل الوسيط Median للمواطن الأسود هو الأدنى بين مختلف المجموعات الأميركية ويعادل 61% من الدخل الوسيط عند البيض.

كان هنالك خوف من قبل الجمعيات التي ترتكز عضويتها على المواطنين البيض من أن ينجح أوباما فيقوي موقع السود في المنافسات الداخلية. يقول الكاتب كوتس Coates في كتابه "كنا لمدة 8 سنوات في الحكم" أن شعبوية أوباما واعتداله قويا الجمعيات التي ترتكز عضويتها على المواطنين البيض. لذا انتقلت الولايات المتحدة خلال 8 سنوات من شعبوية الى أخرى، أي من أوباما الى ترامب. بدأت مشاكل أوباما العملية في سنته الرابعة مع اطلاق حملة عنيفة ضده واتهامه بأنه لم يولد في الولايات المتحدة وبالتالي لا حق له أصلا بالرئاسة. اتهم أنه "عربي ومسلم" لتجييش المعارضة ضده، وكان وراء هذه الحملات المغرضة مجموعة أشخاص بينهم دونالد ترامب.

اتهم أوباما انه لم يمارس السلطة من موقع الرئيس الأسود بل من موقع الرئيس الوطني الجامع. ربما لم تكن الولايات المتحدة جاهزة بعد لرئيس أسود، فاختارت عمليا رئيسا "أبيض" ببشرة سوداء. نذكر جميعا أن الأميركيين وصفوا الرئيس بيل كلينتون بأول رئيس أسود بسبب العقيدة وليس البشرة. الرسالة الأساسية هو أن وصول رئيس أسود الى السلطة قوى التجمعات البيضاء بدل أن يضعفها وهي كانت وراء الهجوم على الكونغرس في 612021. يمكن القول حقيقة أن دونالد ترامب هو أول رئيس فعلا أبيض وصل الى السلطة بالمعنى السياسي للكلمة طبعا.

في الأنظمة الشعبوية لا تحترم عموما حقوق الأقليات بل الرابح يحكم والخاسر يتعذب ويعاني. تغيب الحوارات الديموقراطية العامة المبنية على الفكر والعقائد وتسيطر الغريزة أو التعصب بكافة أشكالها. لا تحترم القواعد الدستورية التي تشدد في كل الدول على احترام حقوق الانسان والحوار وحرية التخاطب والأراء. تؤدي الشعبوية الى الانسحاب من الحياة الديموقراطية الحرة أو الانعزال، مما يؤثر سلبا على العلاقات بين المواطنين كما على العلاقات بين الدول. تعتبر الشعبوية أن مشاكل أي مجتمع تنبع من سؤ الاداء المقصود ولا تنتج بشكل طبيعي عن الحياة العادية. تتوسع الشعبوية عالميا بسبب الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة التي نشأت مع الكورونا وثم سلاسل الامدادات واليوم تتعمق مع الحرب الأوكرانية التي أشعلت التضخم في كل العالم. الخاسر من التطورات الأخيرة هي الليبيرالية المبنية على المنافسة والحيوية والحوار والتي كانت جميعها حتى قبل سنوات قليلة ركيزة العلاقات الدولية السليمة. اذا لم يعد العالم الى اعتماد الليبيرالية المنظمة سيتوسع التعصب وتنتشر العنصرية أكثر، مما يدخل العالم في أوضاع لن نحسد عليها.

أعلن الغرب خطأ ومنذ زمن أن الليبيرالية انتصرت وان المعركة مع الانكفاء حسمت. لذا لم تبذل القيادات الغربية الجهد الكافي والطبيعي لمعالجة مشاكل المواطنين ومعاناتهم من الحياة الاقتصادية الصعبة. ازدادت نقمة الشعوب على حكامهم وبالتالي انتخبوا قيادات متطرفة في اليمين أو اليسار أو أقله أعطوا تلك القيادات أرقاما مرتفعة جدا تماما كما حصل مع الانتخابات الرئاسية الفرنسية. كان هذا جرس انذار للرئيس الفرنسي كي يعدل سياساته التي تعب منها الفرنسيون ويحاول ارضاءهم عبر قرارات اجتماعية وبيئية تناسب تطلعاتهم. ما جرى في فرنسا، جرى سابقا في دول غربية أو سيجري لاحقا في دول أخرى. الليبيرالية والليبيراليين استفادوا من سؤ اداء الشعبويين في السياسة والشارع وبالتالي الخسارة الحالية ربما تكون فقط مؤقتة. ما جرى يعطي فقط فرصة لتصحيح السياسات المرفوضة ولا يشكل فترة سماح بل انذار جدي للحكومات الغربية بشأن المستقبل.

لا يمكن تحميل روسيا كل مشاكل العالم ولا مشاكل الغرب تحديدا كما يحاول بعض القادة العالميين قوله وتبريره. في الواقع قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، كان يمكن وصف الأوضاع الغربية كما يلي:

أولا: في النفوذ السياسي كان واضحا أن الولايات المتحدة تخسر كثير من قوتها، بينما تزداد قوة الصين ليس فقط في أسيا وانما عالميا. قوة الغرب الديموغرافية في انحدار منذ زمن، وهذا انعكس على المعايير الاجتماعية والانسانية. كانت المجتمعات الغربية تعاني اجتماعيا وصحيا من مجموعة أمور سلبية كاستهلاك الممنوعات ونسب الانتحار والكآبة المرتفعة. تحتاج المجتمعات الى العناية الاجتماعية المتطورة كي تعيش بسلام.

ثانيا: في النفوذ الاقتصادي حيث النتائج لم تكن مزدهرة، بل كان الغرب يعاني كثيرا من ضعف النمو وارتفاع البطالة وزيادة الفقر وعدم النجاح في تعميم التنمية على كل الدول والمناطق. في سنة 2020، انحدر اقتصاد مجموعة الدول الصناعية 4,5% منها انحدار 3,4% في الولايات المتحدة وسقوط 6,3% في الوحدة الأوروبية. كان التذمر الشعبي كبيرا وواضحا مما انعكس انتخابيا على الواقع في معظم هذه الدول.

الصراع بين الليبيرالية والشعبوية لم ينته بعد وربما يكون مؤقتا بانتظار الوصول الى نظام جديد مستقر. لم تعد الأحزاب السياسية القديمة ترضي الشباب، والوقائع الانتخابية تدل على ذلك. أحزاب قديمة تزول وأخرى تظهر على أنقاضها بأفكار جديدة أو متجددة. الظروف تغيرت والتقنيات تبدلت وتطورت بسرعة ولم تعد ترض الأجيال الجديدة. هنالك مطالب جديدة من قبل العمال والعاطلين عن العمل كما المواطنين العاديين الذين يعانون من تكلفة المعيشة والتعليم والصحة. أصبحت الحياة اليوم أصعب على المواطن العادي بالرغم من كل التكنولوجيات الحديثة المتوافرة. فالأنظمة ربما لم تعد مهمة في ظل التشنجات السياسية والاقتصادية العالمية التي تأخذ أبعادا خطيرة.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment