bah نحو صياغة نظام إقليمي متعدد الشراكات - السعودية تمثل مفتاحًا لأي توازن سياسي في المنطقة - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

نحو صياغة نظام إقليمي متعدد الشراكات - السعودية تمثل مفتاحًا لأي توازن سياسي في المنطقة

09/14/2025 - 20:22 PM

Bt adv

 

 

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *

 

تأسس النظام الدولي منذ الحرب العالمية الأولى ترسخ بعد نهاية الحرب الباردة، اليوم تسعى القوى الدولية المؤثرة في التوازنات الاستراتيجية إلى ضبط قواعد اللعبة متزامنة مع التغيرات الدولية التي أصبحت متسارعة وجذرية تحتاج إلى تأطير حركة التحولات بمفاهيم تساير موجة التفاعلات الدولية وضبط حدة أثار التوترات بين القوة المهيمنة ونظيرتها القوة الصاعدة.

حتى الآن تحرص الصين على أنها ليست مع الهيمنة حتى ولو أصبح اقتصادها عالميا، وترى أنه ليس من المعقول تسيس المسألة التجارية من شأنه يسئ إلى مصالح الصين وأمريكا والعالم، رغم ذلك تعطي تلك التحولات ما هو حدود التغيير الذي تؤديه القوة الصاعدة الصين كقطب جديد يبحث عن مكانة في تشكيل النظام الدولي الجديد، مما يعكس ملامح أزمة عالمية، وتراجع التأثير العالمي للولايات المتحدة في وجه الأطراف الصاعدة التي تبحث عن تثبيت مناطق نفوذها بوصفه نقطة ارتكاز لتأسيس أشكال أنماط جديدة من التحولات العالمية، وتصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة صراع هذه القوى، يجعل السعودية امام مسؤولية كبرى نحو صياغة نظام إقليمي متعدد الشراكات تحل محل الصراعات بالتعاون مع شركائها الإقليميين، ليصبح نموذجا يقتدى به.

نجحت السعودية في صياغة أمن إقليمي بديل عن صياغة المحاور إلى توازن المصالح برعاية بكين، وهو بمثابة تحول جيوسياسي في الشرق الأوسط، في منطقة لم تعرف الاستقرار إلا لماما، وهذا التقارب السعودي الإيراني في مارس 2023 برعاية مباشرة من بكين، جاء الاتفاق نتيجة تحولات دولية أعمق، فاجأ المشهد الإقليمي، ليقلب معادلات كانت راسخة على اثر هذه التحولات، أعادت مكانة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط بقيادة سعودية في معادلة توازناته المتغيرة، خصوصا وأن التقارب السعودي الإيراني ارتبط بدوافع استراتيجية وتنموية في آن واحد.

تمثل السعودية في بيئة إقليمية متغيرة مفتاحا أساسيا لأي توازن سياسي في الخليج والمشرق العربي، فيما أضفت الصين على الاتفاق بعدا جيوسياسيا، وهي الشريك الأول للسعودية، من خلال رعاية هذا التقارب رسخت الصين صورتها كقوة عالمية قادرة على لعب أدوار سياسية في مناطق كانت تعد ضمن دائرة النفوذ الأمريكي، إشارة إلى تحول موازين القوى في النظام العالمي، وهو بمثابة ملئ فراغ خلفه الحضور الأمريكي، أو كسرت الاحتكار الأمريكي لصياغة توازنات جديدة.

 تتجه نحو تشكيل شراكات متعددة ونهاية مرحلة المحاور الإقليمية بعد التقارب السعودي الإيراني، والتحول من الردع السعودي تجاه إيران إلى الشراكات المتعددة مع الاحتفاظ بهامش حذر استراتيجي، مع خلق فرصة لإعادة صياغة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط، والتحول من منطق الصراع إلى خيار إدارة الخلافات التي هي أفضل من المواجهة المستمرة، وهي فرصة نادرة للأطراف الإقليمية لبناء نظام إقليمي أكثر شمولا يستند إلى موازنة المصالح بدلا من منطق الهيمنة الذي أثبت فشله، أي ينتقل الشرق الأوسط من مسرح الصراعات إلى مسرح التنمية لتعريف موقع المنطقة في النظام الدولي الجديد.

 التقارب السعودي الإيراني أدى إلى تباطؤ التطبيع مع إسرائيل، أو تقييم لمسارات التطبيع، أزعج إسرائيل نهاية مرحلة تشكيل محور مناهض لإيران، فرض على إسرائيل إما الاندماج في الإقليم الجديد بشرط القبول بدولة فلسطينية مستقلة برعاية سعودية التي حشدت العالم للقبول بها، او تبقى إسرائيل دولة معزولة وهو ما جعل إسرائيل تتجه نحو إرباك المشهد الإقليمي ريثما يتحقق التحول.

يمثل الهجوم الإسرائيلي على الدوحة نقطة تحول مفصلية في طبيعة الصراع الإقليمي التي امتدت إلى قلب الخليج انتقاما منه الذي يقود التحول الإقليمي نحو مرحلة جديدة بالانفتاح على خيارات عالم متعدد الأقطاب في طوره التشكل، من أجل صياغة نظام إقليمي يتمتع بالاستقرار ويتحول إلى منطقة جاذبة للشراكات العالمية، خصوصا وأنه ملتقى طريقان يمران به الصيني والأمريكي من الهند إلى أوروبا، وطرق طاقة أخرى عديدة خصوصا بعدما نجحت الدول الإقليمية والدولية باستعادة سوريا، والسعودية وتركيا والدول الأوروبية يريدون الحفاظ على وحدة سوريا.

 فيما تبرز إسرائيل طرفا وحيدا يرفض صيغة سوريا موحدة التي انزعجت من القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا، من أجل السعي نحو تفكيك سوريا إلى مكونات منقسمة يدين بعضها للولاء لها، من أجل ذلك تسعى إسرائيل نحو تحقيق الانقسامات الطائفية والقومية لتكريس الخلافات، وتبدو المناطق التي توجد فيها المجموعات المسلحة الدرزية الأكثر ترجيحا لبدء هذه الاستراتيجية، بسبب انهيار تصوراتها الأمنية التي رسمتها لنفسها بعد 7 أكتوبر 2023، وتدخلها في سوريا تبحث عن استعادة الردع المفقود، ولم تعد متسامحة مع وجود قدرات في هذه المساحات وإن لم توجد نيات عدوانية تجاهها، لكن إسرائيل تتجه نحو سياسة قائمة على النار والحوار، وتود جر واشنطن للتماهي مع مخططاتها تعتقد انها قادرة على المضي في استهداف المنطقة كلها ضمن مشروع جيوسياسي أوسع.

لكن العرب يصطفون ضد بلطجة إسرائيل في الدوحة، وهي قمة استثنائية ورسالة قوية للسلام والسيادة الخليجية، وتأكيدا على التضامن العربي والإسلامي، حيث شكل الهجوم الإسرائيلي على دولة خليجية هو الأول من نوعه، شكل تحولا نوعيا في الديناميات الإقليمية، مما دفع الدول العربية والإسلامية إلى مراجعة مواقفها واتخاذ خطوات عملية لتوحيد الصفوف، وإرسال رسائل واضحة لإسرائيل والدول الغربية حول عدم القبول بانتهاك السيادة الوطنية.

 لن يكون هذا الاجتماع بروتوكولي، بل محطة لتثبيت موقف جماعي يتجاوز البيانات التقليدية، ولا ترتكز القمة على أبعاد عسكرية بل على تفعيل أبعاد دبلوماسية وقانونية، وتوحيد السياسات العربية والإسلامية، أمام تهديدات مستقبلية، وتوحيد الصفوف عبر الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية والدبلوماسية، مما يحتم على الدول العربية والإسلامية التفكير في خطط تحوطية سياسية ودبلوماسية، وهي رسالة أن الدول العربية والإسلامية ليست تابعة بالكامل للولايات المتحدة، بل تمتلك القدرة على توثيق العلاقات فيما بينها وتوحيد موقفها السياسي والاقتصادي، خصوصا مع صعود الموقف الصيني على المستوى الدولي يمنح الدول العربية فرصة لإعادة ترتيب تحالفاتها والتوازنات الإقليمية بما يحفظ مصالحها دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة.

تحركات قادة الخليج تهدف إلى بلورة موقف إقليمي موحد يعكس الحرص على السيادة والاستقرار السياسي، ويرسل رسالة واضحة للولايات المتحدة حول رفض استخدام القوة على دول الخليج، خصوصا وان توازنات القوة ليست حكرا على الولايات المتحدة وحدها، ويبرز صعود الصين اقتصاديا وسياسيا كعامل مؤثر تتيح استكشاف مسارات تحالفية جديدة مع الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع القوى الكبرى، مع الحفاظ على مكتسبات مجلس الأمن التي أدانت جميعها ضربة إسرائيل للدوحة وهو إرهاب دولة، وأصبحت إسرائيل دولة معزولة دوليا، وقبول الدوحة مواصلة المفاوضات والاستمرار في التوسط ستجد دعما أمريكيا ودوليا رغم شعورها بالخذلان من الموقف الأمريكي لكن الموقف الأمريكي والإسرائيلي ليس واحدا بل هناك في أمريكا وإسرائيل ممن ينتقدون سياسات نتنياهو واليمين الإسرائيلي.

 

         

* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا

       Dr_mahbiib1@hotmail.com

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment