القطاع الخاص يواجه

08/12/2022 - 09:28 AM

Fadia Beauty Salon

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

عندما نتكلم عن الانقاذ الاقتصادي، نفكر مباشرة بالمؤشرات الكلية من نمو وتضخم وبطالة وغيرها والتي هي مهمة جدا.  انما ما لا يقل أهمية هو أوضاع القطاع الخاص أي الشركات بمختلف أحجامها والتي هي عمليا تخلق النمو وتسمح للدولة بتحصيل ايراداتها.  تواجه الشركات عالميا تحديات كبيرة بسبب الكورونا والحرب الأوكرانية والسياسات الاقتصادية المتهورة والفساد وسؤ التنسيق بين الحكومات.  خلال أقل من سنتين، تحول العالم من مشروع قرية كبيرة الى مجموعات قرى صغيرة بسبب الكورونا كما كافة الأزمات.  تحول الاتحاد الأوروبي مثلا من منطقة جغرافية واحدة الى عدة مناطق، فوضعت حواجز بين الدول أي عمليا خرقت اتفاقية شينغين مرارا.  مشكلة النازحين والمهاجرين واللاجئين تغير الكثير، ولا حدود لتأثيراتها السلبية على التنوع الثقافي والانساني الداخلي.  أصيبت العولمة اصابات بالغة، وعدنا الى أجواء القرن الماضي أي ألى الشرذمة والانغلاق والقلق والحصار الفكري كما الاقتصادي.  تغير العالم كثيرا في 3 سنوات!

في منطقة الشرق الأوسط، المشاكل تتراكم والمنطقة عموما تتأخر نسبيا عن المناطق الأخرى أو معظمها.  التأخر متعدد الجوانب ولا يقتصر فقط على الاقتصاد انما يمتد الى الثقافة والعلوم والأداب والحريات وغيرها.  الصراع العربي – الاسرائيلي قديم ومعقد وله جوانب كبيرة تتعدى الاقتصاد وأهم منه.  المنافسة العربية الايرانية تأخذ اتجاهات مواجهة كبيرة من حين لآخر ليست سياسية وأمنية فقط وانما أيضا ثقافية وحضارية.  ربما مفاوضات فيينا تعطي بعض النتائج الايجابية التي تناسب الجميع.

بالاضافة الى الصراعات السياسية، تواجه المنطقة تحديات تنموية واقتصادية كبيرة تضاف الى مشاكل المياه والانتاج الكهربائي والبيئة والفقر والجوع وغيرها.  فعلا نمر في ظروف صعبة نأمل أن لا تزداد تعقيدا وتعثرا، بل أن تخف الأوجاع مع الوقت.  في المناطق الأخرى في أسيا وأميركا اللاتينية، التحديات لا تقل خطورة وان تكن مختلفة في الشكل والمحتوى لكنها تعالج بعناية أكبر وبتجاوب أعمق من السياسيين.

في قلب كل هذه التحديات تواجه شركات اليوم مشاكل كبرى تتلخص عمليا بعدم القدرة على الحياة والاستمرار.  كيف يمكن لشركات قديمة أو حديثة، كبيرة متوسطة أم صغيرة أن تستمر في الانتاج وأن لا تقفل بسبب كل التحديات التي تواجهها.  القطاع الخاص يواجه، لكن الصعوبات تكبر ولا بد من طرق تفكير جديدة لهدف الاستمرار!

أولا:  في الادارة حيث نوعيتها مهمة جدا خاصة من ناحية حسن ادارة الموظفين والعمال.  وجودهم أساس الاستمرار والمهم من ناحيتهم موضوعان، أولا حسن التعامل معهم كشركاء عمليين في النجاح وثانيا التأكد من أن الحاجات الأساسية التي يرغبون بها والتي يمكن تأمينها تؤمن فعلا.  هذا يجعلهم سعداء خاصة وأن هذا ليس صعبا بل يتطلب ارادة واضحة من قبل أصحاب الشركات واداراتها.  هؤلاء الموظفون والعمال هم سلاح كبير فاعل يمكن أن يتكل عليه للدعاية والتسويق ونشر الصيت الحسن خاصة في الدول الصغيرة حيث لا يمكن اخفاء شيء ولا تحفظ الأسرار.

ثانيا:  في التمويل حيث يجب التنبه الى توافره والى التكلفة التي يجب أن تكون أدنى الممكن خاصة حيث مجالات النمو والارباح محدودة بسبب الظروف.  يمكن الاعتماد أكثر هذه الأيام على التمويل الداخلي أي من أرباح الشركة أو من أموال أصحابها وعدم اللجوء الى الاقتراض المصرفي أو الى سوق السندات والأسهم والتي هي حتما مكلفة أكثر.  التمويل الذي نتكلم عنه هو العادي أي التشغيلي كما الاستثماري لأن المخاطر اليوم كبيرة وهي ليست اقتصادية فقط بل أيضا صحية وسياسية وأخلاقية، وهذا ما تعاني منه أكثرية الدول.

ثالثا:  في التسويق حيث التقنيات الجديدة تختلف كثيرا عن الماضي وتشير الى تغير حضاري واضح في المجتمعات والعقليات.  يجري الاعتماد اليوم أكثر فأكثر على وسائل التواصل الاجتماعي للتسويق.  تعود تقنيات التسويق عمليا الى ما كانت عليه في الماضي البعيد، أي الى علاقة مباشرة بين الشركة والمستهلك.  أما الماضي القريب، فاقتصر كما نعلم على التسويق الجماعي أي عبر الاعلام من شاشات تلفزيون وراديو بحيث تخاطب الشركة مجموع المجتمع دفعة واحدة.  هذه التقنيات الجماعية لم تعد فاعلة اليوم كالماضي بسبب تغير عقلية المستهلك وحاجته الى الحوار الصادق البناء والمباشر.

المستهلك اليوم متطلب ويريد تحصيل حقوقه مباشرة بالحوار عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهذا أيضا مهم للشركة بحيث تعرف ما هي مشاكلها في السوق.  هذا الحوار المباشر غير مكلف وفاعل والشركات التي لا تعتمده اليوم ربما لن تبقى بعد سنوات قليلة.  يجب على الشركات أن تتغير وتغير سياساتها المختلفة مع التغير الحضاري ورغبات المجتمع.  هدف الشركة يجب أن يكون اسعاد المستهلك بحيث يكون سفيرها في الأسواق ويشكل القوة الدعائية الكبرى والفاعلة لها.  من ناحية أخرى، المستهلك المغبون أو الغاضب هو أسواء سفير للشركة ويمكن أن يلحق ضررا كبيرا بها وهذا مهم في كل الأوقات وخاصة في الظروف المتعثرة التي نعيش خلالها.

رابعا:  في التدقيق والرقابة حيث يجب على الشركات أن تختار بين أرباح متواضعة اليوم وأرباح أكبر في المستقبل.  تحتاج الشركات أكثر من أي وقت مضى الى تفكير طويل الأمد أي تنسى أرباح اليوم لتبني علاقة قوية ايجابية مع المستهلك يسمح لها بالفوز الكبير في السوق بعد سنوات ربما لا تكون طويلة.  معاملة المستهلك بالطريقة الفضلى تعطي الشركة الكثير وتسمح لها بتكوين شبكة اتصالات دعائية ومالية كبيرة ومستمرة.  هذه العلاقة الأخلاقية المباشرة المرتكزة على المعاملة الحسنة وليس على التكلفة الدعائية الباهظة هي أفضل، وتستمر أكثر وتكون شفافة.  لا بد للشركة أيضا من أن تراجع ما قامت به من كل النواحي كي تطور انتاجها وعلاقاتها وبرامج استثماراتها.

أخيرا لا بد للشركات الواعية من أن تخلق ضمنها وظيفة جديدة تسمى "المسؤول الثقافي" في المراكز العليا، فيهتم شاغلها بتأمين التواصل مع المستهلكين الأفراد عبر الشبكات المعروفة.  يهتم أيضا بتأمين حاجات الموظفين والعمال المستقبلية.  هذا يختلف عن "ادارة الموارد البشرية" التي تتعاطى باليوميات.  لا مانع طبعا من أن تستعمل أي شركة طرق الاعلام التقليدي بالاضافة الى شبكات التواصل الاجتماعي بحيث تغطي كل شيء لمصلحتها.  تقنيات التسويق أصبحت اليوم أصعب ومعقدة أكثر وتتطلب جهودا كبرى.  يبقى على الشركات أن تنوع وتجدد وتطور انتاجها بحيث تتواصل مع المستهلكين بسلع وخدمات جديدة تحوذ على ثقتهم وتجعلهم يرغبون بتأمين التواصل الايجابي المجدي معها.  سرا النجاح هما موظف سعيد ومستهلك راض.

 
 
 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment