الفشل في توقع الأزمات

07/22/2022 - 00:52 AM

Fadia Beauty Salon

 

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

لا شك أن خبراء الاقتصاد فشلوا في توقع الأزمات في طبيعتها وتوقيتها وحجمها.  اعتاد الاقتصاديون أن يدرسوا العلاقات الاقتصادية الشاملة وليس التفصيلية.  المطلوب الاثنان معا اذ أن معالجة المشاكل المفصلة يختلف جدا عن معالجة المجموع، بل يضيف اليها في المحتوى والعمق.  دراسة الناتج المحلي الاجمالي يختلف عن دراسة مئات العلاقات والأرقام التي تقيم ضمنه.  لا نتكلم فقط عن سؤ تنبؤ الأزمات العالمية كألركود الكبير في 2008 بل حتى عن الأزمات الاقليمية والمحلية.  سؤ تنبؤ أزمات بحجم الركود الكبير خطير وربما يضع العلوم الاقتصادية في قفص الاتهام حول جدواها ويضع الشك في أهلية خبراء الاقتصاد على التنبؤ وخاصة على المعالجة.

فيما يخص الأزمة اللبنانية مثلا لم يتوقع أحد هذا الانحدار الخطير والكبير خلال وقت قصير.  طبعا كان هنالك الكثير من الخلل في الاداء وفي السياسات المالية والنقدية لكن سقوط من هذا النوع ليس قليلا وكان مفاجئا ليس فقط للداخل وانما أيضا للمؤسسات الدولية التي تزور لبنان ومنها ممثلة في بيروت.  حتما مجموعة أمور حدثت في نفس الوقت ساهمت في تعجيل وتعميق السقوط منها الكورونا التي فرضت اقفال البلد لأشهر كذلك ثورة المطالب المحقة التي حصلت بدأ من تشرين الأول 2019.  برودة العلاقات مع الدول الخليجية التي تربطنا بها علاقات تاريخية متنوعة ومتشعبة خفضت قدوم الدولار والاستثمارات والزيارات والسياحة الى حدود مقلقة.  اقفال العديد من المؤسسات التجارية والسياحية خفض وهج لبنان كمركز سياحي رائد في المنطقة وعالميا.  أما استخراج النفط والغاز وكافة الأمور السياسية والتقنية والعلمية المرتبطة به، فالوضع يتأرجح بين الخطورة والمنطق بحيث نحتاج أكثر من أي وقت مضى الى علاقات ديبلوماسية عالمية تدعم مواقفنا.

فوق كل هذه المشاكل اللبنانية الكبيرة، كان هنالك تقصير في القيام بالواجب كالبطء في تشكيل حكومات في ظروف دقيقة.  لم تستطع أي حكومة معالجة مشكلة العجز المالي والدين العام بل اتخذت قرارات في غاية الخطورة كوقف تسديد الديون من جانب واحد مما سبب اذاء لينان وسمعته العالمية.  كذلك لم يتم التجاوب مع كافة المطالب الدولية ومنها الفرنسية لتنظيم النفس والانتقال الى مراحل أفضل.  الفساد كبير ويكبر والمواطن ضائع بين سؤ الخدمات العامة وارتفاع كل الأسعار الى حدود تفوق امكاناته.  أسعار النقل والاتصالات والمحروقات والخدمات الخاصة ارتفعت ولا من يعتني بمطالب اللبناني المحقة وفي مقدمها الصحة والتعليم والغذاء.  بعد كل ذلك أتت الانتخابات النيابية التي لم تعط النتائج التي تأملنا بها منذ أواخر 2019.  هل اللبناني غاضب حقا؟  كيف عبر عن غضبه؟  بل كيف يمكن تفسير النتائج التي تحققت؟  المواطن اللبناني اليوم مكشوف صحيا وحياتيا وحتى غير قادر على تسيير أموره مع الاضرابات المتتابعة نتيجة تدني الأجور الى مستويات مقلقة.  سقوط الليرة موجع والانقاذ غير متوافر.  مشكلة الليرة ليست نقدية بل هي نتيجة سؤ الاداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي المبني على التقصير والفساد والذي انعكس سلبا على النقد الوطني.

أما الوضع المصرفي، فسقوطه كان مدويا ومن كان يتوقع في أسوأ أحلامه أن لا يستطيع سحب أمواله من المؤسسات التي كانت مضرب مثل في الفعالية والانتاجية وتحوذ على ثقة اللبناني والعالم.  المضحك المبكي هو أن الدولة اللبنانية تعتبر أن من له مئة ألف دولار في مصرف هو من كبار المودعين، علما أن هذا الرقم لا يشتري شقة صغيرة ليس في بيروت حتما وانما حتى في بقية المدن وبعض الريف.  ما هو مصير القطاع؟  هل الدمج هو الحل اذ من الأفضل أن يكون لنا عدد قليل من المصارف القوية بدل عدد كبير من الأخرى الضعيفة.  الوضع المصرفي تعثر ليس فقط بسبب المصارف وانما خاصة بسبب سياسات المركزي والحكومات المتعاقبة التي تتحمل المسؤوليات الأساسية.  أين هي استعادة الأموال المنهوبة وحتى المحولة بشكل غير قانوني وما هي الخطوات الجدية التي اتخذت لتحقيق هذه الأهداف؟  من دون عودة الثقة الى المصارف لن يستطيع الاقتصاد اللبناني انقاذ نفسه، وعندها نقول "فالج لا تعالج".

في بداية الركود الكبير وعندما أصبح معلوما أن الأكثرية الساحقة من أبرز أساتذة الاقتصاد في أهم الجامعات العالمية لم يتوقعوا حصول الأزمة، زارت ملكة بريطانيا كلية لندن للاقتصاد LSE وسألت الأساتذة "لماذا لم يتوقع أيا منكم قدوم الأزمة؟".  كان السؤال نوعا من الصفعة في وجوههم اذ أن عددا غير قليل منهم يحمل جائزة نوبل للاقتصاد.  كانوا هؤلاء يغالون في قدرة الاقتصاد العالمي على النمو المتواصل، بل على استمرارية ما وصفوه بالاقتصاد الجديد أي الذي ينمو من دون حدود.  حصلت الكارثة في 2008 وتأثرت صدقية الاقتصاديين وبدأ البحث الجدي عالميا حول أسباب عدم قدرة العلوم الاقتصادية على التوقع.  هل يمكن اصلاح الأخطاء أو تطوير الدراسات كي تعود الثقة الى العلوم والاقتصاديين؟

من الاجابات المباشرة على سؤال الملكة، أتت من "روبرت لوكاس" حامل جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 1995 "لا تستطيع العلوم الاقتصادية تنبؤ الأزمات ولا تصلح لمعالجة نتائج هذه الأزمات".  في نفس الوقت، الأزمات تشكل مراكز اختبار للنظريات والنماذج الاقتصادية بحيث يمكن للعالم التمييز بين النظريات الصحيحة والخاطئة.  حاول الاقتصاديون على مدى الزمن أن يفسروا ما يحصل عالميا بطريقة بسيطة وأنيقة علما أن العالم ليس بسيطا ولا أنيقا بل يعتمد على الانسان المتطور والمتقلب دائما.  قال الاقتصادي "غاري بيكير" وهو الحائز أيضا على جائزة نوبل لسنة 1992 أن العلوم الاقتصادية اعتمدت على العلاقات المثالية الثابتة المستقرة بين المواطنين والشركات والمؤشرات وهذا لا يمكن الدفاع عنه.  لا أحد ينكر أهمية نظريات بيكير الانسانية التي سمحت بتطوير الخدمات التي يحتاج اليها المواطن المعاصر.

هنالك أسباب عدة لفشل التنبؤ الاقتصادي أهمها ان تطور العلوم الاقتصادية اعتمد في العقود الأخيرة على التقدم التكنولوجي وعلى الرياضيات خاصة والتي أصبحت أهم أداة في التحليل الاقتصادي.  هذا أعطى العلوم الاقتصادية انطباعا ممتازا عند الرأي العام العالمي بحيث سميت دروس الاقتصاد بالدروس في "العلوم" الاقتصادية.  الفارق مهم اذ سمح بدفع العديد من المتفوقين في العلوم الطبيعية الى دراسة الاقتصاد.  هذا التوجه نحو الرياضيات افترض في نفس الوقت أن الانسان جامد في تطلعاته وأفكاره تماما كقطعة تكنولوجيا أو معادلة رياضيات.  هذا لا يعبر عن حقيقة الانسان وتطلعاته المتغيرة ونفسيته وشعوره مما يعقد التحليل.

 
 
 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment