الاقتصاد الأخضر ودوره الفعال في التنمية المستدامة

07/27/2019 - 21:10 PM

Fadia Beauty Salon

 

 فؤاد الصباغ *

 

يمثل الاقتصاد الأخضر اليوم البديل الحيوي للاقتصاد التقليدي والعمود الفقري للتنمية الاقتصادية ويسهل أيضا الحركية المالية بالأسواق العالمية. وللتعريف بنوعية هذا الاقتصاد الجديد الذي يعتبر صديق للبيئة والمجدد لنمطية الاقتصاديات الوطنية التي تعتمد بالأساس علي الطرق التقليدية.

إن هذا النوع يعتمد علي الطاقات المتجددة والتي في مجملها تمثل الثروة الحقيقية للبلدان الغير نفطية وذلك بأقل تكلفة وذات مردودية إنتاجية عالية. كما تسمح التقنيات الحديثة في مجال التكنولوجيات والتجديد بتفعيل دور الابتكار في مجال المشاريع التنموية ذات الجودة العالية من خلال استعمال الأنظمة التي تحد من التلوث البيئي وتخلق سوق إنتاجية كبري. إن الاقتصاد الأخضر يعد من أبرز الركائز الداعمة لمختلف الأنشطة الاقتصادية والتي تساهم في تقليص نسبة الإنبعاثات الحرارية والمعروفة بالاحتباس الحراري.

إذ منذ قمة كيوتو العالمية أصبح الشغل الشاغل للحكومات العالمية البحث والتجديد لإيجاد بدائل تحد من التلوث البيئي وتخلق نوعية جديدة من الاقتصاد الصناعي الذي يكون مساهم جدي في المشاركة للحد من الاحتباس الحراري العالمي. إن الدول المتقدمة في معظمها أصبحت تولي اهتمام بالغ للاقتصاد الأخضر وذلك من خلال المؤتمرات والحوافز المالية الهامة لبعث مشاريع صديقة للبيئة. وفي هذا الإطار نذكر برامج الابتكار في الطاقات المتجددة مثل الطاقة المائية والحرارية والشمسية والهوائية والتي تعد في مجملها العنصر الهام الذي يساهم إيجابيا في تقليص نسبة التلوث البيئية العالمية ويخلق مناخ استثماري جديد بديل عن الطاقات التقليدية مثل الغاز والنفط. فعلي سبيل المثال تعتبر فرنسا الدولة الأكثر تطورا في هذا مجال البحثي والتجديدي في الاقتصاد الأخض,

إذ اعتمدت مؤخرا علي بنية جديدة في منظومتها الاقتصادية التي تولي اهتماما كبيرا للمشاريع صديقة البيئة, نذكر منها مشاريع رسكلة النفايات وإعادة تدويرها وهي كالآتي منها مخلفات استعمال الإطارات المطاطية عبر تحويلها إلي مواد أولية. أيضا رسكلة الأوراق المدرسية والإدارية والقوارير البلاستيكية وعلب المشروبات الغازية والزجاجات البلورية. أما أهمها هو تحويل القمامة إلى مواد طبيعية وسماد عضوي يستعمل لتسميد الأراضي الزراعية. إن فرنسا بما تقدمه اليوم من مشاريع حيوية ذات جودة عالية في الإنتاجية قادرة على خلق فرص عمل جديدة ومتنوعة تساهم بصفة إيجابية في تحقيق التنمية المستدامة علي الصعيد المحلي أو العالمي.

كما توجهت مؤخرا الحكومة الفرنسية بطرح تعاون أكبر في المجال الرقمي والتطوير التكنولوجي مع دول جنوب المتوسط لخلق نمط اقتصادي جديد يتلاءم مع المتغيرات العالمية ويؤسس لعالم نظيف أساسه الصداقة مع البيئة. بالتالي يعتبر الاقتصاد الأخضر الأنجع عالميا نظرا لجمعه بين جميع مواصفات المردودية المالية والربحية وأيضا التوفيق بين الاستثمار الناجع والناجع مع الحفاظ على بيئة نظيفة وسليمة.

إذ يمثل هذا التعاون بين دول شمال وجنوب المتوسط بادرة مهمة من أجل تعزيز الشراكة الأورو متوسطية وخلق فضاء صناعي متطور يعتمد بالأساس علي الطاقات المتجددة والتي تساهم إيجابيا في تقليص نسبة الاحتباس الحراري ومن جانب آخر تساعد علي تحقيق سوق للمنافسة الاقتصادية تجلب مداخيل مالية إضافية هامة لميزانية الدول المشاركة في برنامج دعم الاقتصاد الأخضر. كما أن هذا لا يقتصر فقط علي الجانب الربحي إنما له انعكاسات بعيدة الأمد علي التنمية المستدامة التي تساعد في تحقيق العدالة في توزيع الثروة بين الأفراد من جانب المشاركة في جمع النفايات مقابل مبالغ مالية وتحافظ من جانب آخر علي البيئة وتخلق سوق كبيرة تدعم الابتكارات الصناعية مثل الرسكلة وإعادة التدوير.

أيضا يساهم الاقتصاد الأخضر في دعم المجال الفلاحي من خلال بيئة خالية من السموم تحمي التربة من الانجراف وتستغل فيها النفايات كمواد عضوية للتسميد. إن الثورة الجديدة في هذا المجال تتطلب العمل علي نشر الوعي لدي المواطن بجمع الفاضلات المنزلية مثل القوارير أو البطاريات الإلكترونية أوالقمامة وبيعها بمقابل مالي رمزي لبعض الشركات المختصة والتي تقوم بتدويرها وإعادة إنتاجها. بالتالي تتحول هذه الشركات من مستهلك للمواد الأولية للإنتاج إلي مستهلك للفاضلات المنزلية وإعادة رسكلتها وتدويرها وإنتاج منها منتجات جديدة ذات قيمة مضافة عالية الجودة ترفع من القدرة التنافسية في الأسواق المحلية أو العالمية.

أما بخصوص جوالان السيارات علي الطرقات والتي تعتبر العنصر البارز في تلوث البيئة فإن أغلب الشركات العالمية في مجال صناعة السيارات حولت اهتمامها بإنتاج نوعية جديدة من السيارات التي تعتمد بالأساس علي الطاقات البديلة منها الديزيل أو الوقود الحيوي وسيارات إلكترونية تشحن بالطاقة الكهربائية.

إذ هذه الطاقات البديلة والصديقة للبيئة لها إنبعاثات تلوثية منخفضة بكثير مقارنة مع الطاقات التقليدية مثل الغاز والنفط. والجدير بالذكر أن فرنسا شجعت مؤخرا المستثمرين علي خلق شركات كبري تعمل في مجال صناعة البيو ديزيل الحيوي. بحيث أصبح يتم إنتاج الوقود الحيوي من زيوت نباتات خاصة أو الأهم من ذلك بروز ما يسمي بشركات إعادة جمع الزيوت الغذائية المستعملة وتحويلها لديزيل حيوي. أما في المجال الإلكتروني فقد برزت صناعة السيارات التسلا (Tesla) الإلكترونية والتي تتشابه في محركاتها مع تقنيات الهواتف الرقمية الذكية. وبالتالي أصبحت هناك العديد من بطاريات الشحن في المحطات المزودة للوقود عبر نوعية جديدة من أجهزة الشحن الإلكتروني المجاني للسيارات.

عموما يساهم الاقتصاد الأخضر بصفة ناجعة في تحقيق نسب نمو اقتصادية محترمة ويخلق فرص عمل مرتفعة وأيضا يحقيق أهداف التنمية المستدامة بطريقة فعالة وذات مردودية إنتاجية عالية ويضمن بيئة خضراء نظيفة وخالية من إنبعاثات سموم الغازات.

 

* باحث اقتصادي دولي

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment