الأسباب الإقتصادية العميقة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين

06/04/2019 - 11:22 AM

San Diego

 

 فؤاد الصباغ *

يعتبر الميزان التجاري جزء لا يتجزأ من الإقتصاد الكلي وميزان المدفوعات الأمريكية، ومع إحتدام الصراع الحالي في المبادلات التجارية للسلع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تتضح ملامح تلك الإختلالات علي الموازنة المالية العامة الأمريكية التي أضحت تعاني مؤخرا من عجز متراكم علي مستوي الميزان التجاري. لتحديد طبيعة الإقتصاد الأمريكي الذي يعتمد في أسسه علي الرأسمالية وحرية الحركة التجارية وسوق رؤوس الأموال العالمية بحيث يكون القطاع الخاص هوالمهيمن علي جميع المرافق الحيوية للإقتصاد الوطني والذي يقوم بشكل مباشر في تغطية عجز القطاع العام. فمما لا شك فيه تعد تلك المنظومة التحريرية في المبادلات التجارية هي المسبب الرئيسي لتلك الفقاعة من الإضطرابات خاصة منها تأثيراتها السلبية نظرا لتواصل العجز في الميزان التجاري الأمريكي.

إذ في هذا السياق لا يمكن للقاصر والداني إستنكار ما يحدث داخل دواليب وزارة الخزانة العامة الأمريكية التي تشكوبدورها من تفاقم المديونية الداخلية وتخبطها في مصاريف إضافية للنفقات العامة علي الرغم من إعتمادها دولار قوي في الأسواق بمساهمة الضغوطات العسكرية وعلي البترو– دولار وبيع الأسلحة لدول الخليج وإبتزازهم بتعلة حمايتهم من البعبع الإيراني المصطنع وكل ذلك لتغطية العجز المتراكم علي مستوي الميزان التجاري والمالي. فذالك القطب الإقتصادي العالمي الأول أصبح اليوم مهددا في مكانته نظرا لتصاعد مكانة العملاق التجاري العالمي الصين الشعبية بمنتجاتها الإستهلاكية ذات القيمة المضافة المنخفضة التكلفة.

إذ لتحديد الأسباب الإقتصادية لتلك الحرب التجارية المتصاعدة يجب وضع الأسس الرئيسية لطبيعة التجارة الأمريكية التي تعتمد في مجملها علي تصدير المواد الأولية كالصلب والفولاذ والألومنيوم وبعض المواد الإستهلاكية منخفضة الأسعار. أما الجزء الكبير يتركز بالأساس علي تصدير الصناعات الثقيلة كالأسلحة الحربية والسفن والطائرات وغيرها من قطاع الغيار في مجال الإلكترونيات التي يتم تصنيعها في منطقة السليكون فالي بحيث تعجز بعض الدول الأخري عن صناعتها نظرا لإفتقارها تلك التكنولوجيات فائقة الدقة.

أيضا تتمثل صادرات الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الأدوية والمنتجات الصحية من أجهزة وغيرها خاصة لبعض الدول التي تربطها معها إتفاقيات تجارية دولية. بالنتيجة تعد مجمل تلك السلع محدودة في المبادلات التجارية العالمية، أما البقية من المنتجات الإستهلاكية فهي تعتبر بدورها باهضة التكلفة إنتاجا ومرتفعة الأسعار بيعا. فهنا يكمن مربط الفرس بحيث كانت لمنتجات الصين الشعبية الرخيصة جدا مكانة لتكون البديل لتلك المنتجات الأمريكية الباهضة جدا.

فلتحديد طبيعة المنتجات الصينية يمكن وضع معايير لقياس جودتها وأسعارها بحيث تتضح لنا الفكرة كاملة عن نمط تلك التجارة التي تجاوزت الحدود رغم فرض سياسات حمائية تجارية مع وضع العديد من القيود كالضرائب والرسوم الجمركية لتقليص ذلك النفوذ التجاري الرهيب والغريب. لكن في المقابل فشلت كل تلك السياسات التجارية والإتفاقيات الدولية لتقليص رواج منتجات الصين الشعبية في مختلف أسواق الدول العالمية.

فمن المعروف عن تلك الصناعات التي تعتمد علي أساليب النسخ واللصق وشراء الماركات العالمية وهي عبارة عن منتجات موجهة لطبقات إجتماعية معينة نظرا لإنخفاض أسعارها مقابل المنتجات المحلية لتلك الدول. فتلك السياسة التي تعتبر غير شرعية ولكنها لا يمكن أن تردع لأنها ذات طابع قانوني نظرا لشراء تلك الماركات ولا دليل يذكر في مجال سرقة الملكية الفكرية لبعض المنتجات التي يتم نسخها مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة في محتواها.

فكل تلك العوامل ساهمت في خلق ذلك العملاق التجاري الصيني الذي إستغل جميع الإمكانيات المادينة وصخر جميع الطقات البشرية من يد عاملة وإطارات علمية عالية الجودة ومنخفضة التكلفة ليخلق منتجات شعبية تصدر لأغلب سكان العالم والتي في مجملها فقيرة. ولعل من أبرز الضحايا في تلك المبادلات التجارية الحرة كانت تلك البلدان الرأسمالية وخاصة منها المتضرر الأكبر في هذا المضمار الولايات المتحدة الأمريكية نظرا لإنخفاض تكلفة إنتاج تلك المنتجات الصناعية مقارنة مع إنتاجها محليا أوإنخفاض أسعارها المهولة والتي تعجز الشركات الخاصة في مجابهة القدرة التنافسية لها بالأسواق المحلية نظرا لتدهور المقدرة الشرائية لأغلب الطبقات الإجتماعية الأمريكية. فكانت لتلك الأسباب الأثر المدمر علي الإقتصاد الوطني الأمريكي مما ساهم في تأثر الإنتاج المحلي الإجمالي سلبا نظرا لتفاقم العجز في الميزان التجاري وبالنتيجة في تفاقم العجز المالي في الحساب الجاري وفي ميزان المدفوعات.

عموما كان لجانب العجز في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات للسلع مع الصين السبب الرئيسي في تصاعد تلك الحرب نظرا لإنعكاساتها السلبية علي الإقتصاد الكلي برمته وعلي الميزانية الأمريكية. كل تلك الأضرار ساهمت في تعميق الجرح المالي خاصة بعد فرض رسوم جمركية إضافية علي واردات السلع من الصين مع إنخفاض صادرات الولايات المتحدة إلي الصين مما تسببت في عجز حاد في الميزان التجاري خلال الثلاثي الأول من سنة 2019 بقيمة 79.979.5 – مليون دولار بحيث كان الإختلال واضح بين الواردات التي بلغت إجمالا خلال تلك الفترة ب 105.973.9 مليون دولار مقابل صادرات الولايات المتحدة نحوالصين بقيمة 25.994.4 مليون دولار.

إذ لم يقتصر ذلك العجز فقط علي سنة 2019 بل كان متراكم علي مدي طيلة السنوات الفارطة مما سبب مصدر إزعاج حقيقي لدي الخبراء الإقتصاديين الأمريكيين والمسؤولين بوزارة الخزانة العامة الأمريكية خاصة وأن ذلك العجز في الميزان التجاري بلغ سنة 2018 قيمة 419.162.0- مليون دولار بين ورادات من الصين بلغت 539.503.4 مليون دولار مقابل 120.341.4 مليون دولار للصادرات من السلع نحوالصين.

فكان لتراكم ذلك العجز في المتواصل والمستمر السبب الهام في فرض رسوم جمركية إضافية. لكن عبء كل تلك الضرائب والرسوم الجديد سيتحملها المستوردين والشركات الأمريكية الخاصة بحيث سترفع في المقابل الصين من أسعار تلك المنتجات وبالتالي العودة إلي النقطة صفر لأن القطاع الخاص الأمريكي سيرهق بأعباء جبائية إضافية. فالولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تعاني من عديد الأزمات الداخلية نظرا لفقدانها التحكم في مبادلاتها التجارية خاصة بعد إيقاف تزويد الأسواق المحلية الصينية بقطاع غيار الإلكترونيات نتيجة للأزمة الحالية بينها وبين شركة هواوي الصينية بتهمة التجسس والقرصنة للمعطيات الشخصية وأيضا لفقدانها لأكثر من 40% من مبادلاتها التجارية مع الصين وغياب كلي لشركاتها في معرض بيجين 2019 لتكنولوجيات المعلومات والإتصال مما سيزيد بالنتيجة من تضرر ميزانها التجاري خلال الأشهر القادمة.

أما في المقابل ففقدان الصين لصفقات بقيمة 144 مليون دولار لن يثنيها من عزمها لمزيد تعزيز قدراتها التنافسية لمنتجاتها خاصة منها زيادة صادراتها من الهواتف الجوالة وأجهزة الحاسوب المحمول وغيرها من الإلكترونيات. بالتالي ستتواصل تلك الحرب التجارية وستتصاعد حدتها في الأيام القادمة رغم فرض الولايات المتحدة الأمريكية لكل تلك القيود الإضافية لدخول منتجات الصين إلي أراضيها عبر فرض تلك الرسوم الجمركية الجديدة المجحفة.

*كاتب تونسي و باحث اقتصادي

 

تجارة الولايات المتحدة الأمريكية في البضائع مع الصين 2018-2019

الميزان التجاري

واردات

صادرات

شهر

-34،469.5

41،603.8

7،134.3

يناير 2019

-24،760.8

33،194.4

8،433.6

فبراير 2019

-20،749.1

31،175.7

10،426.5

مارس 2019

-79،979.5

105،973.9

25،994.4

المجموع 2019

الميزان التجاري

واردات

صادرات

شهر

-35،952.8

45،788.0

9،835.3

يناير 2018

-29،261.5

39،067.6

9،806.1

فبراير 2018

-25،874.6

38،256.7

12،382.1

مارس 2018

-27،962.0

38،230.0

10،268.0

أبريل 2018

-33،186.6

43،797.4

10،610.8

مايو 2018

-33،483.8

44،599.5

11،115.6

يونيو 2018

-36،834.3

47،096.0

10،261.7

يوليو2018

-38،569.6

47،863.9

9،294.3

أغسطس 2018

-40،243.0

50،032.1

9،789.1

سبتمبر 2018

-43،102.5

52،233.0

9،130.5

أكتوبر 2018

-37،860.8

46،525.7

8،664.9

نوفمبر 2018

-36،830.5

46،013.5

9،183.0

ديسمبر 2018

-419،162.0

539،503.4

120،341.4

المجموع 2018

المصدر: United States - Census Bureau، US millions Dollars 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment