الدين العام والسترات الصفر

01/17/2019 - 23:33 PM

Orange County Health Care Agency

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

لا يختلف اثنان في لبنان حول عمق أزمة الدين العام وصعوبة حلها بل التقصير العام في معالجتها.  هي مشكلة قديمة تكبر بسرعة بسبب الفساد وسؤ الادارة وقلة المسؤولية الوطنية والشعبية.  ارتفعت نسبة الدين العام من الناتج من 136.6% في سنة 2013 الى 154% هذه السنة ومن المتوقع أن تصل الى 165.7% في سنة 2020 اذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه.  تعتبر هذه النسبة الثالثة في العالم بعد اليابان واليونان.  لكن اليابان غنية مع اقتصاد متكامل وصناعة رائدة وديموقراطية متطورة وخدمات عامة كبيرة.  اليابان من الاقتصادات الأهم عالميا والخامسة في الحجم ولا ينقصها الا نمو سكاني ايجابي بسبب ضعف الانجاب وارتفاع العمر المرتقب ورفض استقبال المهاجرين حتى الآتين من آسيا.  أما اليونان فهي مدعومة من دول الوحدة النقدية الأوروبية وتستطيع الاتكال على المؤسسات المشتركة، وهذا ما حصل عندما تأزم الوضع المالي.  هنالك شروط وضعت على اليونان، ونجح رئيس الوزراء "تسيبراس" في التجاوب معها وأنقذ اليونان علما أن الطريق ما زالت طويلة وشاقة.  أما نحن في لبنان، على ما ومن نتكل خاصة وأن أن الدول القريبة غارقة في مشاكلها المتنوعة؟  على من نتكل خاصة وأن المنطقة تدور في دوامة أزمات في غاية الخطورة من سوريا الى اليمن.

اتفاقية "ماستريخت"؟

هنالك نوع من العرف العالمي يقول بأن نسبة الدين العام من الناتج لا يجب أن تتعدى ال 60% وأن نسبة العجز المالي من الناتج يجب أن تبقى دون ال 3%.  هذه أعراف اعتمدتها دول الوحدة النقدية الأوروبية عبر اتفاقية "ماستريخت" وتعتبر نوعا من المؤشرات السليمة المعتمدة دوليا.  فأيننا نحن في لبنان من هذه النسب، بل لا نحلم بالنزول اليها أقله في القريب المنظور.  في الواقع، يحاول المسؤولون اهدار نتائج مؤتمر "سيدر" كما أهدرنا غيره في السابق دون أن تكون لنا بدائل.  المانحون والمقرضون يدفعوننا نحو تشكيل حكومة ويقولون لنا أن هذه الأموال لن تبقى لنا اذا لم نقم بواجباتنا، أقله تشكيل حكومة حتى أي حكومة.  لا يرد المسؤولون عليهم بل نجعلهم واقعا يشعرون أننا غير مهتمين بهم.  هل يعقل أن يكون الخارج مهتم بنا أكثر من اهتمامنا بأنفسنا.  لا شك أن القوى الاقليمية كما الخارجية مستأة كثيرا من سؤ تصرفاتنا خاصة في الموضوع الحكومي والاداري وكيفية معالجة الفساد.  الواقع يعبر عن قلة مسؤلية داخلية عامة لا مثيل لها وعن عدم شعور مع حاجات الشعب اللبناني ومستقبله.  نحن حقيقة في وضع لا نحسد عليه.

أين هي حدود الدين العام اللبناني في الواقع؟ 

هل يمكن لمجتمعنا أن يتحمل ثقل الدين المتزايد الى ما لا نهاية. 

يرتفع الدين العام بسبب استمرار عجز الموازنة الذي قارب 9.2% من الناتج في سنة 2016 وحوالي 9% هذه السنة.  هل يمكن وضع موازنة متوازنة في لبنان؟  هذا مستحيل في القريب المنظور وبالتالي سيستمر الدين العام في الارتفاع.  هذا مستحيل اذ من غير الممكن تخفيض الانفاق الجاري بنسب كبيرة أو رفع الايرادات بنسب مرتفعة أيضا خاصة في ظل الظروف الحالية الاجتماعية الصعبة.  هل توزير شخص من هنا أو آخر من هنالك أهم من تفاقم الدين وانعكاساته؟  هل رفع "حصة" مسؤول ما وتخفيض "حصة" مسؤول آخر أهم من مستقبل الشعب والاقتصاد؟  ما هذا الكلام العجيب عن الحصص وكأن لبنان هو قالب حلوى يتقاسمه الجائعون الذين لم يشبعوا ولا يشبعون؟  هل انقطع كما يقال "شلش الحيى" عند المسؤولين كافة؟  هل أصبحنا فعلا في دولة "الفالج لا تعالج"؟  اليأس مرفوض لكن الوقائع على الأرض غير مشجعة خاصة للآجيال المقبلة.

روح المسؤولية والروح الوطنية عند المسؤولين

قال وزير المال انه حتى في هذه الظروف الخطرة حيث نعيش منذ شهر أيار الماضي من دون حكومة، تم توظيف 5 ألاف شخص في الدولة.  أين هي روح المسؤولية والروح الوطنية عند المسؤولين في بلد ينؤ تحت ثقل العجز والدين حتى لا نقول التفكك؟  ما يحصل في لبنان اليوم من صراع سياسي اجتماعي اقتصادي كبير ومهم يدعونا الى التساؤل حول أهلية الادارة وصوابية القوانين والمؤسسات وصحة قواعد اللعبة.  نمر في ظروف استثنائية تتطلب ادارة استثنائية وهذا ما لا ننعم به.  اذا انتشرت السترات الصفر في دولة منظمة كفرنسا فما الذي يمنعها من الانتشار في شوارع لبنان وطلب تنفيذ الاصلاحات الحقيقية؟  اذا كان "ماكرون" رئيس الأغنياء كما يتهم، فكيف نصف المسؤولين عندنا؟  هل هم مسؤولون عن شيء أو عن لا شيء؟

ما هي الانعكاسات السلبية الرئيسية لحجم الدين العام اللبناني؟

أولا:  التأثير السلبي على التضخم أي زيادة الانفاق العام غير المجدي من دون انتاج مقابل يسبب زيادة في مؤشر الأسعار، وهذا ما نراه من وقت لآخر.  يتم زيادة الانفاق على السلع الاستهلاكية وعلى الأجور وليس على الأصول الاستثمارية.  الانفاق بحد ذاته غير سيء بالضرورة اذا أحسن توظيفه واختيار التوقيت.

ثانيا:  زيادة الدين يضعف القطاع الخاص اذ يسحب المال المتوافر له للاقتراض وبالتالي يرفع تكلفة الدين عليه أي الفوائد، كما يخفف من الفرص المتوافرة له.  يجد القطاع الخاص صعوبة في الاقتراض لأن هنالك سهولة في اقراض عميل واحد هو الدولة اللبنانية حيث يتم استبدال قرض بآخر أي تسديد دين وتحرير آخر.

ثالثا:  هنالك مسؤولية كبيرة من قبل الأجيال الحالية تجاه الأجيال المستقبلية حيث نحملهم ثقل دين عام كبير هم غير مسؤولين عنه.  فهل هذا أخلاقي وكيف نقتل فرص النهوض المستقبلي للاقتصاد والشعب؟  نحملهم مسؤولية احداث نمو كبير لتأمين معيشتهم ولتسديد الديون السابقة المتراكمة بسبب الفوائد واستمرار العجز المالي.

رابعا:  لا يمكن للعجز أن يبقى مرتفعا من دون حدود ولا بد من ايجاد مصادر التمويل.  فمن أين نأتي بالضرائب حيث الشعب غير قادر حتى على القيام بواجباته تجاه نفسه؟  أم نأتي بها من الايرادات غير الضرائبية كالهاتف والكهرباء وغيرها من الرسوم التي لا تنعم بالنوعية الخدماتية الجيدة، فكيف نرفع سعرها؟

نردد انه من المستحيل اليوم تخفيض حجم الدين العام، بل أقصى ما نحلم به هو تخفيض نسبة نموه عبر السيطرة على قيمة العجز المالي السنوي.  اذا ما هو الحل بل ما هي مجموعة الحلول الممكنة اذ من غير المجدي وضع مشاريع حلول مستحيلة التحقيق. 

ما هي الحلول المنطقية التي يمكن تطبيقها اذا أراد السياسيون ذلك وهم قادرون في رأينا؟

أولا:  العمل الجدي على تخفيض الانفاق أقله عبر وقف التوظيف في كل الادارات والمصالح.  الغاء عقود الايجارات لمؤسسات الدولة ونقلها كلها الى عقارات تملكها الدولة وهي متوافرة في كل المناطق.  يمكن تخفيض الكثير الكثير من الانفاق الاستهلاكي الذي لا يفيد بل يثقل موازنات الوزارات والمؤسسات.

ثانيا:  العمل الجدي على زيادة الايرادات عبر حسن التحصيل خاصة في المرافق العامة حيث الهدر هو الأعلى.  هنا تكمن أهمية بل ضرورة محاربة الفساد حيث لا نشعر وجود جدية في المكافحة خاصة وأن العديد من المسؤولين ضالعون به بل ممولون ومشجعون له ويتكلمون في نفس الوقت عن محاربته.

ثالثا:  محاربة الفساد لا تحسن فقط انتاجية الادارة العامة بل ترفع قيمة الايرادات المحصلة كما تخفض قيمة الانفاق وتكلفة المناقصات والمزايدات.  البدء بمحاربة الفساد يربط المواطن أكثر بدولته التي نأمل بأن تقوم بواجباتها قبل رؤية السترات الصفر على الأرض قريبا.

رابعا:  يجب وضع برنامج لتنفيذ وتطوير البنية التحتية التي لا اقتصاد من دونها والتي يجب أن تمول بالشكل الميسر عبر الدول الصديقة والمؤسسات الدولية.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment