bah بإسم المواطن الحرّ: متى ننتهي من شعار العروبة ونرفع شعار الوطن أولا؟ (2) - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

بإسم المواطن الحرّ: متى ننتهي من شعار العروبة ونرفع شعار الوطن أولا؟ (2)

08/31/2025 - 03:42 AM

absolute collision

 

لقرائة الحلقة الاولى يرجى النقر على الرابط التالي: https://beiruttimes.com/article/48510

 

 

ألسّفير د. هشام حمدان

 

أخي المواطن،

كتبت في الحلقة السّابقة عن الحاجة لأن يقوم المواطن بنبذ الرّوح القبليّة والتزام المواطنة وفقا للمفاهيم الحضاريّة الحديثة، والخروج من مفاعيل المشاعر الغريزيّة إلى حكم العقل والمنطق. لكن من الضّروري أن تدرك أنّ واقعك القائم حاليًا، ليس نتيجة تطوّر طبيعي في حياتنا كلبنانيّين بلّ هو نتيجة واقع فرض عليك منذ الهزيمة العربيّة المدوّية في حرب الأيّام السّتّة في حزيران عام 1967.

كان لبنان أخي المواطن، يسير قدما في ستينيّات وأوائل سبعينيّات القرن الماضي وبسرعة كبيرة في مسار التّغيّير السّياسي، من الحالة الطّائفيّة القبليّة التي قامت عليها البنية السّياسيّة والإجتماعيّة منذ الإستقلال. ربما أنّ الذين هم من جيلي يدركون ما كانت عليه البلاد ألتي أطلق عليها لقب سويسرا الشرق، وكانت من الدّول النّاجحة التي تحوّلت إلى مركز استقطاب سياحي واستثماري وتربوي واستشفائي في المنطقة. لكنّ الهزيمة العربيّة ألقت بظلالها المريرة علينا. كيف؟

شارك لبنان مع الدّول العربيّة في الحرب الفاشلة التي شنّتها ضدّ إسرائيل عام 1948 بعد إعلان الدّولة العبريّة. إلتزم لبنان عام 1949، إتّفاق هدنة مع إسرائيل وفقا لقرار مجلس الأمن عملا بالمادّة 40 من الفصل السّابع من الميثاق. صمد هذا الإتّفاق رغم كلّ التّحولات التي حصلت في علاقات الدّول العربيّة لاحقا مع الكيان الإسرائيلي. لذلك ساد الهدوء والإستقرار على ضفتيّ الحدود بين الجانبين. واستطاع لبنان الإنصراف إلى التّنمية والتّقدّم السّريع.

نجحت إسرائيل في حرب الأيّام السّتّة في حزيران عام 1967، بإحتلال كلّ فلسطين التّاريخيّة بما في ذلك قطاع غزّة، ألقدس والضّفة الغربيّة. توقّفت أنشطة المقاومة الفلسطينيّة ضدّ إسرائيل التي كانت تقوم بها داخل الأراضي الفلسطينيّة التي جرى احتلالها. سعت المقاومة إلى إيجاد مراكز لها، ومعابر، داخل وعبر حدود الدّول العربيّة المجاورة، ومنها لبنان. لم يقبل لبنان فكرة عسكرة الفلسطينيّين فيه. لكنّ بعض المنظّمات الفلسطينيّة التي اتّخذت مكاتب لها في لبنان، تمكّنت من تحقيق عمليّات ضدّ إسرائيل في دول أوروبّيّة. ردّت إسرائيل عام 1968 بالهجوم على مطار بيروت وتدمير 13 طائرة مدنيّة. كان ذلك أوّل خرق لإتّفاق الهدنة.

إستخدمت المقاومة الفلسطينيّة ولاسيّما المتحالفة والمدعومة من الحكومة السّوريّة، ألحدود اللّبنانيّة مع إسرائيل كمعبر لها للقيام بنشاط عسكريّ داخل الأراضي الإسرائيليّة. لم تسمح سوريّة للمقاومة الفلسطينيّة باستخدام حدودها مع إسرائيل لمثل هذه العمليّات ولكنّها شجعتها ودفعتها لمزيد من العمليّات من لبنان، وساعدتها في مواجهة معارضة الحكومة اللّبنانيّة، ومساعي الجيش اللّبناني للتّصدّي للتّحرّكات الفلسطينيّة. حظيت المقاومة الفلسطينيّة أيضا، بدعم الأحزاب والقوى الإسلاميّة واليساريّة في لبنان. كان هذا الدّعم أشدّ إيلاما على الحكومة إذ خلق انقساما عاموديّا بين اللّبنانيين سرعان ما أخذ شكل الإنقسام الطّائفي بين المسيحيّين المعارضين للعمليّات الفلسطينيّة، والمسلمين المؤيّدين لها. هدّدت الحكومات العربيّة وخاصّة حكومات الدّول القوميّة الثّوريّة، ألحكومة اللّبنانيّة بدعم الفلسطينيّين إذا اتّخذت إجراءا زجريّا ضدّهم. وشجعوها بواسطة الرّئيس عبد النّاصر على عقد اتّفاق مع الفلسطينيّين ينظّم حركة مقاومتهم في إطار يضمن عدم تدخّلهم في الشّأن الدّاخلي للبنان، مع السّماح لهم بممرّ صغير في العرقوب للقيام بعملياتهم. تمّ عام 1969 توقيع إتّفاق القاهرة. كان هذا الأمر خرقا كبيرا لإتّفاق الهدنة. بلّ أنّ لبنان سلّم واقعيّا سيادته بالنّسبة لقرار الحرب والسّلم إلى طرف خارجي. ومن هنا بدأت مأساة لبنان الكبرى.

لا يمكن لمن هم من جيلي أن ينسى كيف أنّ الأحزاب الحركيّة ألحاملة للأفكار الإيديولوجيّة وهي في الغالب من اليسار، سادت السّاحة وحرّكت العقول الشّابّة. شاركت أنا نفسي بالمظاهرات المطلبيّة لطلّاب الجامعة الوطنيّة وبإضراب أساتذة المدارس الإبتدائيّة حيث كنت مدرّسا في التّعليم الإبتدائي في حينه. حدث صدام بين الجيش اللّبناني والمقاومة الفلسطينيّة عام 1973، فخرجت مظاهرة كبيرة للحركة الوطنيّة التي تضمّ الأحزاب اليساريّة بقيادة رئيس ومؤسّس الحزب التّقدّمي الاشتراكي كمال حنبلاط. شارك في المظاهرة عشرات الألوف من النّاس. قلق اليمين السّياسي وحتّى دول الغرب من هذا التّحرك. فاذا كانت التظاهرة تضمّ مثل هذه الأعداد فمعنى ذلك أنّ هناك أعداد مماثلة لم تشارك في المظاهرة لكنّها تؤيّد المتظاهرين ومطالبهم. كان ذلك يعني أنّ غالبية الشّعب اللّبناني بدأت تميل فعلا نحو اليسار.

حدث هذا الأمر في ظلّ انقسام مرير للمجتمع الدّولي إذ ساد في حينه ما عرف بالحرب الباردة بين الإتّحاد السّوفياتي والولايات المتّحدة. وقد غلبت على هذه المظاهرة شعارات القوميّة والعروبة وقضيّة فلسطين. أمّا شعارات الإصلاح الدّيمقراطي الوطني فكانت خافتة. كان هذا الأمر مقلقا جدّا للغرب ليس بسبب تأييده لإسرائيل فحسب، بلّ أيضا بسبب خوفه من التّمدّد السّوفياتي الشّيوعي الذي كان يشكّل العدو الرّئيسي والأهمّ للعالم الحرّ في حينه، خاصة وأنّ اليسار اللّبناني كان حليفا للإتّحاد السّوفياتي.

لم يكن هناك أيّ وهم بشأن تحويل لبنان بلدا شيوعيّا، إلّا أنّ الحماسة والمشاعر التّحرّريّة التي خلقها جمال عبد النّاصر ضدّ الإستعمار الأوروبّي وخاصّة البريطانيّ للدّول العربيّة، والعدائيّة ضدّ الغرب الذي ساعد إسرائيل في حرب عام 1967، وقبله في حرب السّويس عام 1956، وقيام مجموعة عدم الإنحياز، والفورة الإستقلاليّة في أفريقيا وآسيا وخاصّة بعد حرب فييتنام، وكذلك في أميركا اللّاتينيّة، قد أثارت حماسا غلب القدرة على قراءة المعطيات الدّوليّة بدقة. فالغرب الذي كان مأزوما بعد فشل حرب فييتنام، وجد في الشّرق الأوسط وانقساماته، ضالّته للإنتقام من الإتّحاد السّوفياتي، واعتبر اليسار اللّبناني في خانة العدو. لم يقرأ كمال جنبلاط هذا الأمر بدقّة. إنسياقه إلى جانب المقاومة الفلسطينيّة بعد اتّفاق القاهرة عام 1969، ألذي غلّب من خلاله النّضال القوميّ العربيّ تحت شعار العروبة، على أولويّة النّضال المطلبي الوطني الذي كان يقوده، جعله بين الأعداء في صراع الحلفاء الغربيين والعرب ضدّ الإتّحاد السّوفياتي.

بعث طغيان المقاومة الفلسطينيّة على السّاحة السّياسيّة في لبنان وتأييد المسلمين له، خوفا مصيريّا مشروعا عند المسيحيّين ألذين كانوا وما زالوا، يخافون الطّغيان الإسلامي. قال الشّيخ بيار الجّميّل صراحة هذا الكلام أمام ياسر عرفات. ألسّيادة الوطنيّة بالنّسبة للمسيحيّين كانت شرطا ضروريّا للحفاظ على وجودهم الحرّ في لبنان بل وفي الشّرق أيضا. تدحرج الوضع إلى حرب أهليّة دمويّة ومدمّرة ما زالت مفاعيلها مستمرّة حتّى اليوم. رغم ذلك ما زال البعض يتشدّق بالعروبة بمفهومها القديم حتّى الآن. كانت ألعروبة عنوان صراع أهلي، وما زالت فهل هذا ما تريده أخي المواطن؟ هل تفكّر بهذا الأمر عندما تدلي بصوتك؟

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment