بقلم الدكتور لويس حبيقة
لا تحصل أزمة اقتصادية في العالم من دون أن يكون للقطاع المصرفي الوطني والدولي حصة سلبية أساسية فيها. أزمة 20072009 الأميركية العالمية حصلت بعمق بعد سقوط مصرف "ليمان" وغيره من المؤسسات المصرفية التاريخية العريقة. في لبنان سقط الاقتصاد بسبب الفساد أولا في القطاع العام وثم في القطاع الخاص. تهورت المصارف في اقراضها وحلمت بمساعدة مصرف لبنان الذي لم يكن بمستوى التحديات والمسؤوليات.
مع تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي نأمل خيرا بايجاد حلول واقعية وسليمة للأزمة الخطيرة، كما ببناء نظام مصرفي يطمئن بالنسبة للمستقبل. الاقراض السابق المتهور سبب تجميد الودائع دون أن يعني ذلك أنها طارت الى الأبد. لا يمكن للبنان أن يتعافى من دون اعادة كل الودائع الى أصحابها.
لا يمكن للاقتصاد اللبناني أن يعود الى الخريطة الاستثمارية الدولية من دون قطاع مصرفي سليم وقوانين مصرفية ومالية حديثة. هذا لن يحصل قبل ملئ الفراغات الادارية المالية وغيرها وقبل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج جديد يسمح للبنان بالحصول على المساعدات كما يستقطب الاستثمارات في كل القطاعات. عندها تعاد الودائع تدريجيا الى أصحابها بدأ من الودائع الصغيرة الى الكبيرة. سؤ تصرف المصارف في كل الأنظمة الاقتصادية معروف ويدخل في صلب عملها، وهنالك دول قليلة جدا محظوظة لم تحدث فيها أزمات مصرفية.
بسبب الأزمات المصرفية العالمية والاقليمية المتنوعة والمتكررة، هنالك قلق عالمي تجاه المصارف ينعكس سلبا على الثقة بها وبإداراتها وسلامة أعمالها. عندما يسأل المواطنون في عديد من دول العالم عن ثقتهم بالمؤسسات والتصرفات والقيادات، يأتي السياسيون في أسفل السلم ولا يبتعد عنهم كثيرا المصرفيون. بالرغم من ضعف ثقة المواطنين بالمصارف، يستمرون في الاستفادة من خدماتها للحاجة ولضرورات العمل في الاستهلاك والاستثمارات.
المصارف "شر لا بد منه" لكن المواطن يبقى متأملا الخير والسلامة من التعامل معها بالرغم من الوقائع التي لا تعزز هذا الشعور. الوضع المصرفي مسؤول عن تحول الاقتصاد العالمي الى نقدي لأن المواطن لم يعد يتحمل مغامرات المصرفيين. للاقتصاد النقدي فوائد كبيرة اذ يسهل طرق الدفع لكنه يسمح بنمو الاقتصاد غير الشرعي بحيث لا تسجل التعاملات التجارية والمالية عبره.
هنالك أسئلة يجب الاجابة عنها لتقييم العمل المصرفي التجاري ولمعرفة درجة المخاطر التي تتحكم بعملها في كل الدول؟ منها هل يتقاضى المصرفيون أجورا ومنافع مرتفعة، أعلى بدرجات من المهن المماثلة وهل يستحقون تلك الأجور مقارنة بإنتاجية أعمالهم وسلامتها؟ تشير الاحصائيات والمعلومات الى أن أجور ومنافع موظفي المصارف أعلى بكثير من متوسط أجور ومنافع المهن المشابهة في قطاعات ليست بعيدة عنها كالتأمين والتكنولوجيا والصحة والسياحة وغيرها.
لا تكمن المشكلة الحقيقية في مستوى الأجور والمنافع حتى لو كانت مرتفعة وغير مبررة، وانما في ما يقدمون للمواطن وأصحاب الأسهم مقابل ذلك. في المقارنة مع القطاعات المهمة الأخرى، تسقط المصارف ويخسر أصحاب الأسهم كما الزبائن والمودعين خاصة.
Comments