لبنان....؟؟؟ يا سجن الجياع؟

03/20/2023 - 14:23 PM

Orange County Health Care Agency

 

 

الدكتور نسيم الخوري

 

كيف يجرؤ زعيم سياسي أو مصرفي أو رجل أعمال في لبنان التحديق عبر شوارع بيروت ولبنان بأكوام النساء المتهالكات في الزوايا وفوق الأرصفة وفوق أيديهن أشباه أطفالٍ أعينهم وأفواههم زرقاء غائرة في الجوع... ؟

لا تُصدّقوا على الإطلاق ما ترونه وتسمعونه عبرالشاشات عن لبنان البذخ والتخمة وحركة السفيرات والسفراء والكلام السياسي الفارغ المعجون بالأكاذيب. نحن شعب جائع داخل سجن مُقفل تتشابك حول أعناقنا الجدران الفولاذية الإقتصادية والمالية والسياسية والإعلامية.

تتخالط الطوابير المُتعددة حول براميل القمامة. يقضون نهاراتهم بحثاً عن ثوبٍ مهلهل أو قطعة بيتزا في علبة متعفّنة، وتتلعثم الألسنة والحبر نقلاً لصور الجياع في لبنان الذي أسمّيه اللامكان.

نشر الزميل البروفسورعلي فاعور "أن الدراسة التي أجرتها الإسكوا حول نسبة الفقرالمتعدد الأبعاد في لبنان وصلت الى 82% وهي لم تشمل المخيمات والعشوائيات بل اقتصرت على أماكن سكن اللبنانيين. وإذا ما شملت هذه الأماكن فإن نسبة الفقر تتجاوز 90%، وهذا يعني ان ثلاثة ملايين و200 ألف لبناني صاروا مُعدمين من أصل 3،860،000 عدد اللبنانيين، وهذا ما حدا باليونيسف الى تصنيف لبنان واحداً من 20 بؤرة للجوع في العالم تماماً مثل بلدان القرن الأفريقي وافغانستان والصومال ونيجيريا...".

إلى أين يقودنا الجوع الأسود في لبنان؟

1- يقودني، متفلسفاً بالأكاديمية، إلى إبن خلدون أي إلى القرن الرابع عشر عندما ربط الرجل زهو الحضارة بخوفه من عدد السكان والنمو الديمغرافي الهائل. لقد جذبتني الفكرة نحو زمن مثمر بالرخاء والعطاء وقد كنت نائباً لرئيس جمعية تنظيم الأسرة التابعة للأمم المتّحدة في لبنان والمنطقة العربية... لكنّ الحضارة تزحلقت نحو الحقارة في لبنان الذي يتمّ طرشه وتلوينه بكيديات المطاعم الفاخرة والمقاصف العامرة والصور الدعائية و"من أخذ أمّي صار عمّب"، ووقاحة حاملي الدولار فريش الذي تجاوز اليوم المئة و15 الف ليرة للدولار الواحد بما لا يمكّن الغالبية من تغطية ثمن الرغيف لا الواقع ولا الوقائع التي تجاوزت كل المساحيق وتقود إلى السرقات والقتل والإرتماء انتحاراَ ويأساً في عرض البحر من صور إلى طرابلس في الشمال مروراً ببيروت.

2- يقودني عاجزاً نحو نظرية روبرت مالتوس ( 1766-1834 ) السياسي الإنكليزي والإقتصادي المشهور بنظرياته المؤثّرة في التكاثر السكاني والقائل بأنّ عدد السكان يتجاوز بكثير حجم المواد الغذائية التي يمكن أن تنتجها البشرية لأنّ التناسل بات أقوى من قدرات الأرض على الخيرات، ولهذا السبب يرى المروّجون لنظريته وأنا منهم وفيهم، أن البشرية استهلكت 5 ملايين سنة لكي يصل عددها إلى ملياري نسمة، وإلى نصف قرن كي تقفز إلى أربعة مليارات، ثم إلى 22 سنة فقط لكي تُصبح 6 مليارات. ويرى أننا إذ نحاول إطعام العدد المتزايد من أبناء البشر، فإننا نعرّض بذلك للخطر قدرة الأرض في الحفاظ على الحياة على سطحها.

3- ويقودني إلى سؤآل أسياد وطن الجائعين: أيعقل أن يكون راتب الأستاذ الجامعي برتبة بروفسور في الجامعة اللبنانية 15 مليون ليرة لبنانية شهرياً أي 147 دولاراً بعد 35 سنة وهو الحامل مثلاً 2 دكتوراه وله عشرات المؤلفات والدراسات والأبحاث وخرّج عشرات الطلاب من حاملي الماستر والدكتوراه ولا تغطية صحيّة توفّره له دولته سوى الخوف من المرض والقبر؟

4- يمكنني أكاديميّاً وأدبياً ، تلطيف هذه الصور والمقاطع أكثر، وأقود حبري للقول، إن عدد الجياع في العالم يتجاوز ال1470000 فمٍ مفتوح لالتقاط ما يُبقي على حافة الحياة، وفقاً لتقرير الأمم المتّحدة للعام 2022 أو وفقاً للمنتدين في"القمة العالمية للغذاء" في روما في ال 2009 والتي يمكنني تسميتها ب"قمة الجائعين"، لأن 8 ملايين طفل يموتون سنوياً بسبب الجوع. هذا يعني موت طفل جائع كلّ 5 ثوان، لكنّ الكلام الدولي والأرقام المتراكمة لم تمسح عبسة العارعن جبهة الحضارة لتُطعم فقراء العالم الجياع، فيما تتعفّن إهراءات الحبوب في مخازن العالم وتُرمى مع القمامة أو تحرق توليداً للطاقات البديلة، فتركض الدول لاستئجار الأراضي تطويقاً لمخاطر الأفواه الفاغرة المنتظرة صراع الأمم المستمر .

5- يمكنني التفكير بالعطاش والجياع فوق الأرض التركية والسورية التي اهتزّت وكأنها تطوش مجدداً من جنون الماء، ويمكنني التذكير إذاً بأسطورة إله بعل الذي خصّب الأرض بالماء لكنّه بقي عطِشاً اسمه العطش لشدّة عطائه.

6- ويمكنني أخيراً، عصر كتب التاريخ منذ القرون الوسطى وتقديم الأرقام الدقيقة حول ملايين الملايين الذين ماتوا لا بسبب الحروب بل بسبب تداعياتها أي بسبب الفاقة والجوع والأوبئة والأمراض وموت العدالة في عيون الحكام بل موت لبنان ؟

ماذا يعني هذا الكلام عندما يصبح الجوع الإسم والشهرة؟

يعني صفراً مكعّباً أضمّه إلى أصفار تنتصب كيفما اتجهت في وطن الأصفار.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment