بقلم الكاتبة الصحافية الأردنية سهير فهد جرادات
المخرج، ليس بالضرورة ان يخرج لنا الأفلام السينمائية، لان هناك ( مخرج اهم ) ؛ دوره ان يخرج لنا حياتنا بتفاصيلها التي يختارها هو لنا، بعد ان يخططها كما يريد لنا، وكما يحلو له، وبالطريقة التي تناسبه وتخدم مصالحه.
ما يقوم به المخرج ( دور عظيم ) .. فهو الذي يتحكم في مصير الشعوب، وهو الوحيد ( الفهمان ) بما يحدث وما سيحدث، والباقي (مؤدون) يطُطلب منهم ان يؤدوا دورهم دون ان يستشاروا، ولا يسمح لهم بالاطلاع على السيناريو، ولا معرفة مجريات الأحداث، ولا يسمح له بقراءة السيناريو الذي يوزع فقرة فقرة، ولا يعلم الفقرة التالية، ويجهل متى ينتهي دوره، وفي النهاية هم من يدفعون الثمن رغم انهم لا علاقة لهم !!.
ببساطة المخرج هو الشخص المسؤول عن التفاصيل، إلا أنه (محظي) لا يحاسب عن أي خطأ، ودائما يتم ( تجيير ) الخطأ على المؤدين من الشعب كافة، فهو رغم انه مسؤول عن التصوير، لكنه لا يصور نفسه، فهناك من يقوم بهذه المهمة، كما أنه لا يقوم بالمونتاج بنفسه، لكنه يختار ( لقطات ) المونتاج، ويحدد نبرة الصوت رغم انه ليس فني صوت، وهو (المتحكم الأوحد) في مسار الفيلم وتحديد إقاعه ( سريع أم بطيء ) لتتناسب مع ( الحبكة) التي يريد أن يصل إليها، مما تخدم مصالحة في إنجاح مرور الفلم على العامة بيسر وسهولة .
يتمتع المخرج بالخيال الواسع والقدرة على عكس أفكاره وخياله في كل تفاصيل الفيلم، ليخرج كما يريد له، وهو الوحيد المسموح له اخراج (أفلام الإلهاء ) بحق الشعوب .. من أفلام تراجع البلاد اقتصاديا وإرتفاع المديونية لتبرير سياسية الخصخصة، وإقناع الشعوب بسياسة التقشف .. وأفلام (الإرهاب وقمع الحريات).. وصناعة الأحداث من خلال افتعال أزمات واختلاقها لتحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل، الى جانب قدرته على إنتاج افلام رعب ( الكلاب الضاله ) في الشوارع، وفكاهية ( روضة العبدلي )، وهزلية ( التوقيف الإداري )، او كوميدية (الأحزاب وقانون الانتخابات ) .. او درما ( الإعفاءات الطبية ) .. وفي كثير من الأحيان تكون أفلام تافهة وغير مقنعة ولا تسوى السعر المعروض على شباك التذاكر ..
الهدف الأساس للمخرج ( وليس شرطاً أن يكون في الكرسي )، هو اشغال الشعب عن مشاكله الحقيقية وتحويل أنظارة نحو مسائل ليس لها أهمية حقيقية، بحيث لا يجد وقتا للتفكير سوى بكيفية توفير قوت يومية، والحمد على (نعمة الأمن والأمان)، والشكر بعد ( إرغامه على الاقتناع ) أنه إذا فتح ثمه بكلمة سيصيبه ما أصاب دول الجوار من خراب ودمار ..
كم أنت عظيم أيها المخرج .. الصراحة أنت الوحيد الذي تستطيع ان تخرج اينما تريد، وكيفما تريد، ووقتما تريد .. كبير ايها المخرج
وانت أيها الشعب العظيم، أعمل حالك مثل المخرج، فاهم الفلم وقصته بس تاركهم يمثلوا عليك ..
Jaradat [email protected]
Comments