عـشيَّة الانتخابات اللبنانية في أَيَّــار المطلوبُ صُنَّاعُ وَطَن... كي لا نَـخـسَـرَ الأَملَ بالوَطَن

03/20/2018 - 12:02 PM

Nanour

 

________________________________________بــقــلــم هــنــري زغــيــب

          قرأْتُ قبل فترةٍ إِعلانًا عن الدورة الثانية لـمُبادرة "صُـنَّاع الأَمل" التي أَطلقَها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تشجيعًا "برامجَ ومشاريعَ ومبادراتٍ إِنسانيةً ومجتمعيةً لـمُساعدةِ الناس ونشْرِ الأَمل وترسيخِ قيَم الخير والعطاء، وتعزيزِ الإِيجابية والتفاؤُل، وتكريسِ واقعٍ أَفضلَ في حياة الناس وصناعةِ الفرق في حياتهم، وذلك عبْر مبادرة أَو مشروع تعليمي أَو صحي أَو بيئي أَو تثقيفي أَو توعوي أَو تنموي، من أَجل الارتقاء بواقع العيش وتحسين جودة الحياة". وفي منطق المشروع أَنّ "صُنَّاعَ الأَمل هُم صُنَّاع الحضارة، وتاليًا هم صُنَّاع المستقبل".

          فأَين في لبنان بين المرشَّحين لمقاعد 7 أَيار 2018 مَن يكون مِن "صنّاع الوطن" فيقدِّم برنامجًا غير لفظي، أَو مشروعًا غير كرنـﭭـالي، أَو فكرةً لتحسين جُودة الحياة في لبنان، ورفْع هذا الضغط عن اللبنانيين الذي لا يعرفهم سياسيُّوهم إِلَّا ليَخْطُبوا وُدَّهم من أَجل ورقة تسقُط في صندوقة الاقتراع، وغالبًا ما تسقط معها كلُّ كرامة لأَن معظم المرشَّحين يَسُوسون الناس قطعانًا، ولأَن معظم الناخبين راضون أَن يكونوا تلك القطعان، فيرتكبون حماقة البقاء في وضع لبنان كما هو مع الذين أَوصلوا لبنان إلى هذا الوضع.

وعلى ذكْر الحماقة، قرأْتُ في دراسةٍ أَكاديمية وضَعَها كارلو كـيـﭙُّـولا Cipolla (أُستاذ التاريخ الاقتصادي الاجتماعي لدى جامعة كاليفونيا في بيركلي) أَنّ أَكبر آفة تتهدَّد البشرية حاليًّا هي: الحماقة.

ولـ"الحماقة" في لغتنا العربية الأُمِّ مرادِفاتٌ عدَّة بينها العُـتْـهُ والبَلَهُ والسذاجة والغباوة. غير أَن هذه الكلمة ومرادفاتِها لا تعني أَن الأَحمق أَو المعتوه أَو الأَبله أَو الساذج أَو الغبيّ هو عكس الذكيّ. فالأَحمق ربما يكونُ على بعض ذكاءٍ، فطريٍّ أَو مكتسَب، لكنه ذو تصرُّفٍ مُدَمِّرٍ حوله الآخَرين، أَقربيهم أَو الأَبعَدين.

          الأَحمق إِذًا ليس مُعاقًا بل أَهوجُ التعبير والتفكير والتقرير، يتصرَّف بحماقةٍ متسرّعة متعثّرة متكبّرة، من دون أَن يدري كم يُـؤْذي أَو يدمِّر، ولعلَّ الأَخطرَ أَنه لا يُدرك كم هو مُؤْذٍ ومُدمِّر، أَي أَنه لا يَعرف ولا يَعرف أَنه لا يَعرف. فحماقةُ القَول أَو الفِعل تكون أَحيانًا غباوةً في التقرير، سذاجةً في التعبير، بلاهةً في التفكير، وربما تكون أَحيانًا حماقةً واعيةً حجمَ الأَذى قاصدةً بكل وعْيٍ خطرَ الضرر الذي يُـحْدِثُه حجمُ التصَـرُّف أَو نوعُ السُـلُوك.

          وأَعود إِلى كارلو كـيـﭙُّـولا لأَقرأَ في دراسته أَنّ الحمقى في المجتمع كثيرُون، غيرُ منطقيين، يسبِّبون مشاكلَ وأَزماتٍ لا يُفيدون منها شخصيًّا لكنّ المجتمع يتضرَّر منها. من هنا لا حمايةَ أَبدًا ضدّ الحماقة، لذا لا يمكن تجنُّب الحماقة إِلَّا بمواجهتها في ذكاءٍ وإِصرارٍ على ما نجده صحيحًا، دون تَـبَـنِّـي أَيِّ رأْيٍ أَو موقفٍ مـمَّن نرى أَو نعرف أَنهم حمقى.

لذلك وضع كـيـﭙُّـولا خمسَ قواعد ثابتة تتصدَّى للحماقة، هي:

          الأُولى: أَلّا نستهين بعدَد الحمقى بيننا، بل أَن نحسب لهم دائمًا حسابًا واعيًا حذِرًا.

          الثانية: أَن نتنبّه إِلى أَن حماقة الشخص مستقلَّة عن العناصر الأُخرى في شخصيته الفردية أَو الاجتماعية، وعن طبيعة عمله أَو وضعه السياسي أَو الاجتماعي أَو الديني أَو المذهبي أَو الثقافي أَو المالي. فثمة حسب كـيـﭙُّـولا: حمقى في مراكز السلطة والقرار متهوِّرون مهوُوسون متوتِّرون، وتؤَدّي حماقتهم إِلى ضرر يكون أَحيانًا ذا مستوًى وطني أَو دولي.

          الثالثة: يسبّب الأَحمق ضررًا للسوى الفردي أَو الجماعي، فإِمَّا يستفيد هو من تصرُّفه ويؤْذي الآخرين، وإِمَّا يكسب هو على حساب الآخرين، وإِما لا يكون لتصرُّفه الأَحمق أَيُّ فائدة له ولا للآخرين.

الــرابعة: عدمُ عقْد أَيّ صفقة أَو شراكة أَو وكالة أَو ارتباط أَو حوار مع الحمقى لأَنّ لهم ردودَ فعلٍ غيرَ متوقَّعة، بل مُهْلِكة مُدمِّرة، وغالبًا مفاجئَة إِنما... بعد فوات الأَوان.

الخامسة: الأَحمق هو الخطر الأَكبر على المجتمع لأَنه مختبِئٌ في شخصية غشاشة مغْرية ثعلبية، ولا تنكشف غباوتُه المدَمِّرة إِلَّا بعد وُقُوع الضرر الذي هو أَحيانًا فردِيٌّ بين الشخص والأَحمق وأَحيانًا يصبح ضررًا أَخطر حين يُصبحُ الأَذى جماعيًّا على مستوى المجتمع أَو الوطن.

          من هنا ضَرورةُ أَن نتجنَّب خطَر الحمقى بِعَزْلهم من بيننا، سواءٌ بِإشاحتنا عنهم فرديًّا أَو جماعيًّا، وكذلك وطنيًّا بعدَم إِعطائهم صوتَنا التفضيلي في صندوق الانتخابات. فإننا لم نقرأْ برنامجًا علميًّا جديًّا موثَّقًا بالأَرقام والوقائع لأَيّ مرشَّح يتقدَّم على أَساسه من ثقة الشعب به، غيرَ كلماتٍ فولكلورية منبرية عنترية هجومية كرنـﭭـالية مأْلوفة معروفة مكررةِ الوعود والعهود. ومن هنا خيبتُنا من تَوالي الترشيحات بأَسماء لم تتغيَّر، ووجوهٍ لم تتبدَّل، ومقاعدَ لن تتجدّد، ومرشحين تابعين، وزعماء متبوعين، وإِذا غاب منهم أَحد أَحضر لنا ابنه، وإِذا عزَف أَحدٌ حلَّ مكانه آخَرُ من نوادي السياسيين التقليديين، في انتخاباتٍ "ديمقراطية" ليس فيها ديمقراطيٌّ إِلَّا اسـمُها.

          ومَن "أَبدع" هذا القانون النسبي كي يَـمنَعَ "الـمَحادل" و"البوسطات"، قد لا يكون تَنَبَّهَ - أَو لم يَشأْ أَن يتنبَّه - إِلى أَن النسبية تُـجدي في بلدانٍ تُعطى فيها فرصةُ الوصول لـمُرشحين جدُد، أَو لديهم برامجُ يستنسب الناخبون أَحدَها ليختاروا مرشَّحَهم ويُعطوه صوتهم التفضيلي.

          أَما أَن يكون المرشَّحون هُمْ هُمْ، أَمس واليوم وغدًا، فأَيُّ فرق بين صوتٍ تفضيلي وآخر، بين هذا أَو ذاك أَو ذلك، طالما "الـمَحدلةُ" باقيةٌ للمُمْسكين بها، و"البوسطةُ" باقيةٌ بما فيها ومن فيها، واللوائحُ ذاتُ رئيس ومرؤُوسِين، أَو ذاتُ رأْس وأَطراف، أَو ذاتُ أَسماءِ سياسيين هُم ذاتهم تغيَّرت لوائحهم ولـم تتغيَّر ملامحهم، وفي معظمهم حتمًا لن يكُونوا صُنَّاع الوطن ولا بُدّاع أَمل الوطن.

          وإذا بقي الأَمر كذلك، ففجْر 7 أَيار لن يكون يومًا جديدًا، بل نسخةً مكرَّرةً مملَّةً عما قبل 7 أَيار وكلِّ قبْلٍ قبْلَهُ وكلِّ بَعْدٍ بعْدَهُ، حتى يكون يومٌ لا يعود فيه مواطنون قُطعان، ولا ناخبون حمقى، ولا سياسيون رؤَساءُ قبائل ولا أَصحاب مزارع ولا أَولياء عشائر.

          لِكَي لا نستعيد الحماقة فنخسر الأَمل بالوطَن: المطلوبُ صُنَّاع وطنٍ نُـخْـبَـوي لا صُنّاع زمنٍ انتخابي.

          وعندئذٍ يُقْبِلُ لبنان على انتخاباتٍ تنقُله فعلًا إِلى فجرٍ جديدٍ لـيومٍ جديد.

[email protected]

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment