فؤاد الصباغ*
إن الثورة اللبنانية الحالية ضربت في صميم عمق الإقتصاد اللبناني لتؤدي به نحو الركود وإنهيار عملته الليرة مقابل الدولار نظرا للترابط الوثيق بينهما في الصرافة المحلية بحيث تعد في مجملها جرس إنذار مبكر خطير لبوادر ظهور أزمة حادة خاصة بعد النزيف الواضح في إحتياطي البنك المركزي علي مستوي تغطية وارداته في ظل الأزمة السياسية، الإجتماعية والإقتصادية الراهنة.
فالربيع العربي الذي شهدته أغلب البلدان العربية خلال العشرية الماضية وبالتحديد إنطلاقاً من سنة 2010 إلي غاية سنة 2019 والمتواصل إلي حد الآن، والذي وقع التسويق له من قبل الدول الغربية إتضح مؤخرا أنه "ركود عربي" بحيث لم تظهر تلك العصافير والزهور بل إنتشرت في المقابل الفوضي والتقاعس عن العمل والإعتصامات المتتالية التي أدت بالنتيجة إلي كبح عجلة التنمية وتهاوي نسب النمو الإقتصادي إلي الحضيض.
إن الأوضاع الإقتصادية اللبنانية تمر حاليا بظروف حرجة جدا، علي الرغم من إنتعاشة خزينتها العمومية بالعملة الأجنبية خاصة بالدولار الأمريكي أواخر العشرية الفارطة. إذ بعد إكتشاف مجموعة من حقول الغاز بالبحر الأبيض المتوسط والإقبال المتزايد علي الحجوزات السياحية كلها مثلت بشائر خير علي مدى تلك العشرية وعوائد مالية هامة بالعملة الأجنبية بالبنك المركزي اللبناني.
أيضا مثل إصدار مشروع قانون يشرع زراعة حشيش القنب الهندي بالأراضي اللبنانية أهم مكسب مالي بحيث حقق مداخيل مالية محترمة متأتية بالأساس من تلك الزراعة. فللتعريف بالقنب الهندي هو نوع من الحشيش المخدر المسمي بالكيف والتي تعتبر زراعته وترويجه ممنوعة في بعض الدول العربية. إلا أنه في بعض الدول المتقدمة يحظى بمكانة مرموقة إستهلاكا وتجارة وتروجا وذلك وفقا للقانون وهو مصنف كتدخين سجائر "الكيف".
إذ شرعت في هذا السياق أغلب الدول الأوروبية تجارة الحشيش المعروفة بالقنب الهندي من خلال الترخيص لفتح العديد من المتاجر لبيع هذا النوع من المخدر الحيوي نظرا لتزايد الإقبال الكبير للمواطنين علي شرائه والمسمي "بالماريجوانا". كما أن معظم ولايات أمريكا صادقت علي قانون يشرع تجارة وإستهلاك القنب الهندي وفقا للبيع بكمية لا تتعدي 100غ للشخص الواحد. بالنتيجة تزايد الإستهلاك عالميا لتلك النبتة "المخدرة" في أغلب الدول المتقدمة وفي المقابل يجب توفير المنتج في الأسواق الأمريكية والأوروبية وذلك بالطرق القانونية حتي تتم عملية الترويج في الظروف الملائمة طبقا لما صرح به المشرع القانوني.
كما أنه أخيرا صادق البرلمان البريطاني علي تداول هذا الحشيش المخدر بأسواقه المحلية وهذا يأتي لتعزيز إنتشار ظاهرة المخدرات المنعشة والمعروفة بالكيف في جميع أرجاء العالم. بالتالي يمثل هذا الإستثمار الزراعي في حد ذاته إزدهارا ماليا يفتح الآفاق للتجار والمروجين لتحقيق ثروة مالية طائلة تعود بالمنفعة بالأساس بالرفاهية والإنتعاشة الإقتصادية للدول المنتجة لتلك النبتة.
إذ برزت علي الصعيد العالمي العديد من المصانع المنتجة لسجائر "الكيف" من حشيش القنب الهندي والتي تصنف ضمن منتجات التبغ والدخان، كذلك تستعمل تلك النبتة في إنتاج بعض الأدوية خاصة منها المضادات للأمراض العصبية أو غيرها نظرا لما تحتوي عليه من منافع صحية. فعلي الرغم من كل هذه الميزات المتوفرة في تلك النبتة والعوائد المالية التي يمكن استغلالها لتحقيق أرباح بالطرق الشرعية، إلا أن بعض الدول العربية تجرم إنتاجها وتروجيها وتزج بمزارعيها في السجون وتحرق محاصيلهم الزراعية كلها سنويا.
إذ في هذا الإطار ونظرا لتواجد العديد من الأراضي الزراعية الشاسعة اللبنانية لخامس منتج لحشيش القنب الهندي علي الصعيد العالمي، صرح البرلمان اللبناني في سنة 2019 قانون يجيز تكثيف زراعة وإنتاج هذا الحشيش المخدر علنا وتوجيهه بالأساس نحو الأسواق العالمية خاصة منها الأوروبية والبريطانية والأمريكية كمصدر لإنتاج الأدوية أو السجائر.
إن زراعة تلك النبتة تعد المصدر المالي والرزق الأساسي لعديد المزارعين اللبنانيين وهي تمثل لهم المنتج الوحيد الذي يتأقلم مع نوعية التربة والمناخ خاصة بمنطقة "البقاع وعكار". كما تشهد تلك المناطق إنتاج كميات مهولة من محاصيل القنب الهندي بحيث لا يمكن إستغلال تلك الأراضي للزراعات الغذائية الأخرى نظرا للظروف المناخية والمائية السيئة. فزراعة حشيش القنب الهندي اللبناني بالبقاع وعكار يمثل وراثة زراعية "أب عن جد" وتمثل لهم المصدر الوحيد للعيش الكريم. فنبتة القنب الهندي لا تستهلك كميات كبيرة من الماء ومحاصيلها تسقي فقط بالأمطار مثل زراعة القمح في بعض الدول.
إذ مثل ذلك القانون الجديد المشجع لزراعة وإنتاج حشيش القنب الهندي الموجه مباشرة للتصدير مكسبا للإقتصاد اللبناني وأيضا وضعه بالدرجة الأولي ضمن قائمة الصادرات كمواد تبغ وأدوية طبيعية يمثل بدوره "حدثا إقتصاديا هاما" من أجل تجديد نمط الإنتاج الزراعي المحلي.
كذلك تسعي الجهات المعنية لتنمية تلك الزراعة من خلال التعاقد مع المزارعين لبيع جميع المحاصيل للدولة ضمن إتفاق قانوني يحد من ترويجها داخليا أو الإستثراء منها في الأسواق الغير شرعية والمعروفة بالسوداء. بالتالي تمثل السلطات اللبنانية في هذا الصدد الوسيط بين المزارعين المحليين والمستهلكين الأجانب وخاصة منها من جانب إبرام العقود مع مصانع التبغ والدخان بالأسواق العالمية أو المراكز الصحية ومصانع الأدوية التي تشرع بيع وإستهلاك تلك المنتجات المخدرة.
فالحكومة اللبنانية تسعي لتحسين مكانتها العالمية في إنتاج حشيش القنب الهندي وذلك بالإرتقاء من المرتبة الخامسة عالميا إلي المرتبة الأولي والتي تحتلها حاليا دولة بوليفيا أكبر منتج ومصدر لتلك النبتة. كما أن الحشيش اللبناني يعد من أجود الأنواع المخدرة عالميا نظرا لطبيعة المناخ الذي يتأقلم كثيرا مع تلك النبتة خاصة بمنطقة البقاع وعكار.
أما بخصوص العوائد المالية المنعشة للإقتصاد اللبناني فتعتبر زراعة تلك النبتة مكسبا وطنيا حقيقيا بحيث يساهم في تحقيق ثروة وطنية وعوائد مالية مهمة للخزينة العامة اللبنانية تقدر بحوالي 500 مليون دولار سنويا أرباحا من بيع حشيش القنب الهندي في الأسواق العالمة ومن المتوقع في حالة إحتكار السوق تحقيق أرباح مالية تقديرية تفوق بـ 2 مليار دولار سنويا.
بالنتيجة فذلك الإنتاج الزراعي سيحول لبنان لأول منتج ومصدر لحشيش القنب الهندي عالميا وبالتالي سيحقق إنتعاشة حقيقية في ميزانية الدولة تشابه كثيرا لعوائد إنتاج "النفط أوزيت الزيتون" في بعض الدول الأخري. إن التخصص الزراعي وتنمية ذلك المنتج خاصة في الأراضي اللبنانية الغير صالحة للزراعات الغذائية مع التقييد بالقانون وإحتكار الدولة للسوق كوسيط بين الطرفين من جهة المزارعين ومن جهة أخري الدول الأجنبية وذلك قصد تسهيل عملية التصدير وتحقيق مكاسب مالية شرعية ضمن الإطار القانوني للإقتصاد الوطني اللبناني.
عموما ستكون النتائج إيجابية إجمالا علي الإقتصاد اللبناني وذلك علي جميع المستويات منها:
أولاً، إستغلال الأراضي الشاسعة المهملة ووضع جميع المزارعين في الإطار القانوني قصد مكافحة التجارة في الأسواق السوداء مما سينعكس إيجابيا علي التنمية الزراعية وعلي موارد الدولة المالية.
ثانيا، ستقلص من نسبة البطالة وستحقق نمو إقتصادي مرتفع مع تقليص نسبة التضخم خاصة من خلال تقليص العجز في الميزان التجاري وتحفيز الصادرات نحو الدول الأجنبية وبالتالي الإستفادة من العملة الأجنبية الوافدة خاصة باليورو والدولار، مما سيحقق بالنتيجة تغطية كبيرة للإحتياطي بالعملة بالبنك المركزي.
ثالثا، زيادة العوائد المالية من الصادرات لذلك الإنتاج الزراعي ستكون له إنعكاسات إيجابية كبري علي الأسواق المالية والمصرفية المحلية من خلال توفير السيولة اللازمة وأيضا ستساهم في الرفع من الناتج المحلي الإجمالي الخام. بالتالي ستعود عجلة التنمية الإقتصادية للإشتغال مجددا في نسق تصاعدي وذلك من البوابة الفلاحية والزراعات المتخصصة وسترتفع كذلك نسبة النمو الإقتصادي وستخرج لبنان من دائرة الأزمة المصرفية التي تمر بها حاليا بحيث ستنتعش الأسواق وتعود الليرة اللبنانية للإستقرار مقابل سلة العملات الأجنبية.
* كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي
Comments