bah القرن الآسيوي بدأ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

القرن الآسيوي بدأ

12/01/2019 - 19:53 PM

Bt adv

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة        

 

الأوضاع الاقتصادية العالمية تتغير بسرعة. اذا كان الغرب وتحديدا الولايات المتحدة يسيطرون اليوم على الاقتصاد العالمي، فالمسقبل لن يكون كذلك. في الماضي البعيد كانت الدول الأسيوية تسيطر على الاقتصاد العالمي، لكن بعد الحروب المتعددة انتهاء بالحربين العالميتين الأولى والثانية سيطر الغرب وما زال. في الماضي البعيد وقبل الثورة الصناعية كانت الصين والهند واليابان تسيطر عمليا على الاقتصاد العالمي. بعد الثورة الصناعية انقلبت الأوضاع لصالح الغرب. أما اليوم فالعودة الى آسيا واضحة مع تزايد النفوذ الصيني وصعود الهند وبقاء اليابان قوة مهمة. قال نابليون عن تنبؤ وحق "فلتبق الصين نائمة لأنها عندما تستفيق سيهتز العالم".

بعد الحرب العالمية الثانية وبسبب الخسائر الكبرى التي تكبدتها أوروبا واليابان، سيطرت الولايات المتحدة بشكل قوي وواضح على الاقتصاد العالمي. فالأميركيون عبر منظمة حلف شمال الأطلسي والمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد سيطروا حقا على واقع وتطور الاقتصاد الدولي. كانت الحرب الباردة التي انتهت بزوال الاتحاد السوفياتي وتحول الدول الشرقية الى النظام الاقتصادي الحر. ضاعف هذا الواقع من سيطرة الولايات المتحدة ليس فقط على الدول الغربية وانما على كافة الدول في كل القارات. التغير الكبير الذي حصل لاحقا هو اعتداء 1192001 وحرب العراق والأزمة المالية العالمية في 20072008 وما نتج عنها من تغيرات كبرى أهمها انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. كما يقول جو بايدن المنافس المحتمل له في 2020، اذا بقي ترامب رئيسا لسنوات أربعة ايضافية سيغير روح وخصائص وركائز وثقافة المجتمع الأميركي. في كل حال، يبقى خيار اعادة انتخابه أو عدمه حقا فريدا للأميركيين بالرغم من تأثيره على كل دول العالم.

هنالك مشكلة اليوم واضحة في الاقتصادات الغربية تجعل المواطنين قلقين، مما ينعكس ضعفا في ثقة الشعب بالحكام. ما يجري في فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول يدل بوضوح على تذمر المواطنين من الحكام وعلى عدم رضاهم عن الاداء المتبع. تعاني اليوم الاقتصادات الغربية من مشاكل عدة أنتجت انتخاب ترامب والتصويت للبريكسيت وفوز الأحزاب المتطرفة في انتخابات عدة كما تدفع الناس غضبا الى الشارع. تعاني الاقتصادات الغربية من ارتفاع الدين العام وارتفاع فجوة الدخل والثروة كما من الانقسام السياسي الحاد المبني على انقسام كبير في الثقافة تجاه الأقليات والمهاجرين بشكل خاص.

لا يمكن لأحد أن يستهين بقارة كبيرة تحتوي على 53 دولة و 5 مليارات شخص وثلثي المدن الكبيرة في العالم وتشكل ثلث الاقتصاد العالمي وثلثي معدلات النمو. تحتوي أسيا على 30 من أكبر مئة شركة عالمية و 6 من أكبر 10 مصارف و8 من أكبر 10 جيوش في العالم. تحتوي أسيا على 5 قوى نووية بينها كوريا الشمالية. تنتج الدول الأسيوية عددا كبيرا من الاكتشافات العلمية وتحتوي على عدد كبير من الجامعات الجديدة المميزة. لا شك أن أسيا منوعة جدا وتتعاون دولها بهدؤ وجدية لتغير العالم واقتصاده معها. لا يمكن اختصار أسيا بالصين كما يحصل أحيانا اذ أن الصين تحتوي فقط على 1,5 مليار من ال 5 مليارات شخص. لا يمكن الغاء دور الهند واليابان في تغيير الاقتصاد العالمي ليس فقط بالقواعد والقوانين وانما أيضا بالثقافة والعلوم والأداب. لا شك أن القرن الأسيوي قد بدأ ويجب أن نتحضر جميعا له.

في أيار 2017، تجمع في بيجينغ ممثلون عن 68 دولة يشكلون ثلثا سكان العالم ونصف الناتج المحلي العالمي لهدف تطوير الاقتصادات ورفع مستوى العلاقات والتضامن فيما بينها. قرروا أهم حجم استثمارات في البنية التحتية المشتركة في التاريخ، أي انفاق الاف مليارات الدولارات في العقد المقبل لتطوير وانشاء الطرق للتواصل أي ما يعرف بطريق الحرير الجديدة. عصر الحرير الجديد هو أهم مشروع ديبلوماسي في هذا القرن ومن الصعب جدا تجاوزه في الحجم والتوسع والتأثير على اقتصاديات كبيرة ومتعددة عبر العالم.

ما هي التغيرات السياسية الاقتصادية الأساسية التي حصلت في العقود القليلة الماضية والتي تنعكس اليوم في ظهور قوى جديدة على الساحة العالمية أهمها أسيوية؟

أولا: سقوط الاتحاد السوفياتي وظهور روسيا كوريث أساسي لكن ليس بالقوة والنفوذ نفسهما. تحاول روسيا ملئ الفراغ السوفياتي، لكن سؤ تنوع الاقتصاد وحجم السكان ونموه الضعيف يمنعانها من النجاح في هذا الهدف.

ثانيا: ظهور الوحدة الأوروبية قوية عبر الاتفاقيات المتعددة التي أبرمتها منها اتفاقية شينغين لفتح الحدود واتفاقية ماستريخت التي خلقت منطقة اليورو. الوحدة الأوروبية هي أهم مشروع سياسي اقتصادي منذ مئة سنة وان كان يعاني اليوم من مشاكل عدة. عبقرية خلق الوحدة الأوروبية لا يمكن أن يستهان بها. المشروع الثاني في الأهمية هي منطقة شمال أميركا للتجارة الحرة بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك والتي عدل اتفاقيتها ترامب لكنها ما زالت تعيش على القديم حتى تصديق الاتفاقية الجديدة نهائيا والتي هي نسخة شبه كاملة عن الاتفاقية الحالية.

ثالثا: صعود الصين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وغيره. فالصين ليست قوية في عسكرها فقط وانما في نموها ودقة حساباتها على المدى البعيد خاصة. فالتروي في اتخاذ القرارات خاصة في العلاقات التجارية الدولية ومع أميركا تحديدا يشير الى النضوج السياسي والاداري الحاصل ضمن الحكم الصيني.

رابعا: التغيرات الكبيرة في العالم ليست سياسية فقط وانما أيضا اقتصادية وفي مصادر الطاقة خاصة. ما زال الاتكال عل النفط والغاز والفحم كبيرا عالميا الا أن الطاقات الجديدة تزدهر أيضا وفي مقدمها الشمسية والمائية والهوائية وغيرها. لا شك أن العالم الغربي يعلق أهمية كبيرة على النفط الصخري التي تبرز فيه الولايات المتحدة خاصة ويجعلها تحلم عبره بالاستقلال عن الأوبيك وبالتالي تؤمن حاجاتها النفطية من الداخل فقط. تغيرات مصادر الطاقة كبيرة جدا وتنعكس على تكلفة الانتاج وعلى هيكلية التجارة الدولية في كل السلع والخدمات.

خامسا: ظهور النظام الأسيوي الجديد وليس الصيني فقط. أسيا تزدهر وتقوى وهي متنوعة في خصائصها الداخلية وتنظم نفسها بنفسها وتحاول تقوية العلاقات فيما بين دولها وربما الاستغناء لاحقا عن الغرب والخارج. ثلثا الآليات العسكرية الصينية المستوردة تأتي من روسيا مما يشير الى عمق العلاقات الاستراتيجية بينهما. 40% من صادرات الأسلحة الروسية تذهب الى الهند. تبيع روسيا الطاقة النووية لتركيا لتخفيض تكلفة الانتاج. تتعاون روسيا بعمق مع مجموعة الأوبيك بشأن انتاج النفط وخاصة مع السعودية. أسيا تقوى بينما الغرب يعيش في فوضى سياسية اقتصادية وأمنية. أسيا هي أهم قارة اليوم وستزداد قوة. لذا من الخطأ أن تعادي أميركا الصين وأسيا سياسيا قبل أي شيء آخر. أميركا تحتاج الى أسيا في كل المجالات اليوم أكثر من أي وقت مضى. تحتاج اليها في التجارة والاستثمارات والاستهلاك. لا يمكن للشركات الأميركية أن تزدهر من دون السوق الأسيوية. ترامب يسير اليوم عكس المنطق والمصلحة. أميركا أولا لا يعني البعد عن أسيا بل ربما الاستفادة من نموها أكثر.

نعيش اليوم في عالم متعدد القوى والنفوذ. سينعكس هذا الواقع أكثر فأكثر على التعليم والثقافة والتجارة والاستثمارات. يتعاون العالم الغربي كثيرا مع دول أسيا لكن العلاقات الشعبية ما زالت خجولة وبدائية بسبب التاريخ والثقافة والدين واللغات. لا رجوع الى الوراء بالنسبة لأسيا ودورها وهنالك صفحة جديدة من التاريخ تفتح اليوم ولن تقفل بسرعة ومن الضروري التأقلم معها لمنع الخسائر وربما تحديد حجمها.

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment