فؤاد الصباغ
تعتبر دول المغرب العربي من حيث المساحة الجغرافية كبيرة جدا بحيث تعتبر مؤهلة بأن تكون تكتلا إقتصاديا قويا نظرا لما تحتويه بعض تلك الدول من مخزون هام للثروات الطبيعية كالنفط والغاز والفسفاط.
فعلي الرغم من المجهودات الطموحة لبعض حكومات تلك المنطقة من أجل إقامة ذلك التكتل الإقليمي، إلا أنها فشلت في معظمها نظرا للخلافات الداخلية بين تلك الدول. فذلك الإتحاد المغاربي ولد ميتا في 17 فيفري 1989 ولم يحي إلي حد الآن نظرا لتزايد الصراعات الداخلية والإختلافات الجوهرية في المواقف السياسية والإقتصادية خاصة بين الجزائر والمغرب من جهة وموريتانيا وبقية دول الإتحاد من جهة أخري. بالتالي خرجت دولة موريتانيا آليا من ذلك الإتحاد وفي إنتظار خروجها الرسمي ولربما تلحق بها بعض الدول الأخري خاصة منها الجزائر وليبيا نظرا لذلك التشرذم في المواقف والتصدع في العلاقات الإقليمية. فعلي الرغم من توفر الإمكانيات المادية والثروات الطبيعية، إلا أن تلك الدول عجزت تمام العجز عن إنشاء منطقة تجارية ومالية موحدة وإنشاء عملة وبنك مركزي مشترك قادر علي مجابهة الأزمات وتحقيق الإستقرار والإزدهار لتلك الشعوب التعيسة التي مازالت تعيش الفقر والحرمان والتهميش.
أما بخصوص طبيعة إقتصاديات دول المغرب العربي الكبير فهي إجمالا أصبحت مؤخرا تعاني من هشاشة هيكلية متراكمة ومن إصلاحات واهنة نظرا لعجزها في معالجة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المتراكمة. فالأحداث المأساوية التي تلت الثورات الشعبية منذ سنة 2011 إلي حد الآن تثبت بكل وضوح تصدع ذلك التكتل الإقليمي في إتحاد مغاربي يعتبر "متوفيا كلينكيا" خاصة بعد بروز تنظيمات إرهابية عالمية بتلك المنطقة وتزايد الصراعات الداخلية علي السلطة في بعض البلدان ودخول بعضها الآخر في حروب وإقتتال مستمر مما إنعكست نتائجه سلبا علي الأوضاع الإقتصادية، الإجتماعية والسياسية بتلك المنطقة برمتها.
موريتانيا تعاني أزمة جفاف خانقة
تعاني دولة موريتانيا خلال السنوات الأخيرة من أزمة جفاف حادة أدت إلي تدهور قطاعها الفلاحي بصفة كاملة وشاملة مع إندثار الماشية وإنشقاق التربة. فذلك الجفاف الحاد تسبب في خسائر مالية كبري في ميزانية الدولة الموريتانية التي مازال يعتمد إقتصادها الوطني بالأساس علي الفلاحة وتربية الماشية.
فتلك السنوات القاحلة بين 2013 إلي حد الآن كانت كارثية بشتي المقاييس علي أغلب المزارعين اللذين فقدوا محاصيلهم الزراعية السنوية زادها موت أغلبية الماشية نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة وغياب المياه الصالحة للشراب. بالنتيجة أعلنت الحكومة الموريتانية درجة الطوارئ علي المستوي الوطني وطلبت تدخل مباشر من قبل البنك الدولي للسعي لإيجاد حلول جذرية لأزمة الجفاف الراهنة وبدائل لمصادر المياه نظرا لإنخفاض منسوب المياه الجوفية ومعدل نزول الأمطار نتيجة للتغيرات المناخية والإحتباس الحراري الذي تسبب بدوره في خسائر كبري للإقتصاد الوطني الموريتاني الذي مازال يراهن علي قطاع الفلاحة في جمع ثرواته الوطنية كمصدر رئيسي في الناتج المحلي الإجمالي. بالتالي إنخفضت نسب النم والإقتصادي وكبحت التنمية المستدامة مما وضع الحكومة في موقف مأزق تطلب تدخل المؤسسات المالية الدولية لوضع مخطط إنقاذ قصد إعادة إنعاش ذلك الإقتصاد الهش بطبعه.
غياب العدالة الإجتماعية بريف المغرب
أعلن مؤخرا العاهل المغربي محمد السادس في الذكري العشرين لاعتلائه العرش المغربي علي مخطط تنموي جديد من خلال إنشاء لجنة من الخبراء الإقتصاديين لوضع تخطيط إقتصادي جديد قابل لتحقيق العدالة الإجتماعية وخلق مناخ من الإستثمار والإنفتاح بالتوازي. فحراك الريف خلال السنوات الأخيرة والذي تصاعدت احتجاجاته بين سنة 2016 و2019 تذمرا وسخطا علي الأوضاع الإجتماعية نتيجة لتدهور المقدرة الشرائية وإرتفاع معدلات البطالة وعدم التوزيع العادل للثروات الوطنية بتلك المنطقة التي تعتبر مهمشة شكل في مجمله أزمة مغربية داخلية.
فذلك الإختلال في الإقتصاد الوطني المغربي يعود بالأساس إلي هشاشة هيكلية متراكمة ونتيجة لراهن الحكومة خلال السنوات السابقة علي التحرر المالي والتجاري الساعي للإندماج في فضاء التجارة الحر مع الإتحاد الأوروبي الداعم للإستثمار ولرؤوس الأموال لرجال الأعمال المغاربة وجلب الإستثمارات الأجنبية المباشرة.
ثورة الشعب الجزائري .. ترحلوا قاع
تشهد دولة الجزائر حراك شعبي متواصل خاصة بعد وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سنة 2019، إذ منذ غياب الرئيس والشعب الجزائري لم يهدأ له بال فضل كالبركان الهائج الذي تسبب في تكبيد الميزانية العامة خسائر مالية كبرة نتيجة للإعتصامات المتتالية. بالإضافة إلي ذلك تسبب عدم الإستقرار في فقدان الثقة في الإستثمارات داخل الجزائر بإعتبار أن رأس المال جبان ويتأثر بأبسط المعلومات والأحداث.
أما بخصوص الثروات الطبيعية فهي أيضا لم تكن بعيدة عن تلك الأحداث من الإعتصامات حيث تكرر تعطيل الإنتاج بشركة سونطراك وتوقيف إستخراج الغاز وشل المبادلات التجارية والمعاملات المالية الدولية. أما بخصوص طبيعة الإقتصاد الوطني الجزائري فه ويعتبر في جوهره إشتراكي شعبي نظرا لمجانية إستغلال المياه وإعتماد صناديق الدعم والتعويض ومجانية التعليم والتنقل والصحة بتعريفات رمزية.
بالتالي هذه الهشاشة التي سخرت تلك الثروات في توزيعها علي الإستهلاك وليست للإستثمار والتنمية أدت إلي وصول الدولة إلي مرحلة مأزق حقيقي خاصة بعدما ثبتت عمليات فساد مالي كبري بين رموز الحكومة السابقة من خلال تبيض الأموال وتهريب عملة ونهب لثروات الشعب الجزائري الذي أصبح يعاني من عدم الإستقرار السياسي والإجتماعي الذي ممكن أن ينعكس سلبا في المستقبل علي الأوضاع الإقتصادية خاصة إذا عجزت الحكومة القادمة بعد الإنتخابات الموعودة خلال هذه السنة 2019 في إجراء تلك الإصلاحات المنشودة.
تونس طموح إقتصادي مفقود
ودعت تونس في 25 جويلية 2019 وفي عيد جمهوريتها الزعيم البورقيبي الباجي قايد السبسي إلي مثواه الأخير وإلي جوار ربه لكن الحياة العامة في البلاد مازالت متواصلة بنسق طبيعي نظرا للإنتخابات المرتقبة خلال الأشهر القادمة خاصة منها الرئاسية في 15 سبتمبر 2019. فالأوضاع الإقتصادية التونسية لم تشهد إنتعاشة حقيقية منذ إندلاع الثورة الشعبية خلال سنة 2011 إلي حد الآن بحيث تضررت العديد من القطاعات الحيوية للإقتصاد الوطني خاصة منها السياحة والتجارة والإستثمارات.
بالنتيجة كانت لنتائج الصراعات الديمقراطية الداخلية علي السلطة تأثيرات سلبية علي رجال المال والأعمال التي أصبحت تسعي جاهدة لإيجاد مناخ من الإستقرار السياسي والإقتصادي وتحقيق المصالحة الوطنية والسلم الإجتماعية. فالإقتصاد الوطني التونسي مازال يعاني من تباطؤ في نسق النم والإقتصادي ومن إرتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب أصحاب الشهائد العليا التي بلغت نسبة 15.5% سنة 2019 ومن تدهور في المقدرة الشرائية مع إرتفاع نسبة التضخم المالي وأسعار المحروقات والمواد الغذائية.
أما البرنامج الإقتصادي الإصلاحي الطموح في إطار المخطط التنموي 2016-2020 بقي مجرد وعود زائفة لم تتحقق علي أرض الواقع لحد الآن منها تحقيق نسبة نم وإقتصادي في حدود 4% وتسوية وضعية الكبار في السن بالإنتداب المباشر القار أ وتحفيز الإستثمار والتنمية وإصلاح القطاع الخاص.
الصراع الليبي علي السلطة
مازال الصراع الليبي علي السلطة متواصل إلي حد الآن بين حكومة الوفاق الوطني وقوات حفتر العسكرية الساعية للإنقضاض علي مدينة طرابلس وإضفاء الشرعية الدولية علي حكومته. فنتيجة لذلك الصراع المحتدم تدهور الإقتصاد الليبي بشكل ملحوظ بحيث نهبت الثروات الوطنية عبر الإستيلاء علي العوائد المالية المتأتية من بيع المحروقات.
بالإضافة إلي ذلك تضرر القطاع المصرفي نتيجة للحرب التي طال أمدها بحيث خربت البنية التحتية بالكامل وهربت الإستثمارات الأجنبية والمحلية إلي الخارج مع تزايد عمليات الفساد المالي وتهريب أموال إحتياطي البنك المركزي الليبي بالعملة الصعبة الأجنبية إلي الخارج. فذلك الصراع الحاد علي السلطة إنعكست نتائجه سلبا علي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بليبيا.
*باحث اقتصادي دولي
Comments