فؤاد الصباغ*
يعتبر الإقتصاد الوطني الشريان الحيوي والقلب النابض لدواليب الدول والمسير لشؤونه العامة والمنظم لعلاقاته الداخلية والخارجية. فكلمة الإقتصاد المشتقة من القاموس اليوناني economicus تعني في مفهومها اللفظي التنظيم المحكم والتسيير الجيد بالطرق العلمية والرقمية. إذ في هذا السياق تتفرع العلوم الإقتصادية إلي العديد من الإختصاصات منها الإقتصاد النقدي، المالي، المصرفي، الصناعي، الريفي، العام، الخاص، الكلي، الجزئي وغيرها. أما أهمها حديثا هوبروز الإقتصاد الرقمي كعمود فقري للتنمية الإقتصادية ومحرك رئيسي للنمو الصاعد بحيث أصبح اليوم المشكل العام لسمات عالمنا المعولم في أبسط جزئياته.
فبما أن الإقتصاد هو المنظم لمعاملاتنا المالية ولمبادلاتنا التجارية، فيمكن القول أن تكنولوجيات الإتصال والمعلومات أصبحت تحظي بمكانة هامة في ظل كل تلك المتغيرات العالمية التي شهدها العالم الحديث. بالتالي أصبحت الإقتصاديات الوطنية لمعظم الدول العالمية مستفيدة بشكل مباشر من العوائد المالية المتأتية من ذلك الإقتصاد الرقمي الصاعد والواعد يعني من مصدر تلك المشاريع المنصهرة تحته مظلته والتي تعتمد علي التقنيات والتكنولوجيات الحديثة بشكل متزايد ومتصاعد. بالنتيجة خصصت أغلب دول العالم منذ مطلع الألفية الأولي وزارات جديدة معنية بتلك الخدمات الإلكترونية منها وزارة الإتصالات والتكنولوجيات الحديثة أو وزارات مستقلة في حد ذاتها تعني بالإقتصاد الرقمي وذلك نظرا للعوائد المالية الهامة المتأتية من تلك المشاريع. إذ نذكر إجمالا منها الخدمات الإلكترونية العامة أو الخاصة في صلب هياكل الدولة أوالشركات الخاصة، مراكز النداء، التسويق والتجارة الإلكترونية والأبرز من كل ذلك ظاهرة التعليم عن بعد.
الخدمات الإلكترونية العامة والخاصة
ساهمت العولمة الرقمية في تغير نمط العلاقات اليومية بين الحكومات والمواطنين خاصة منها تسهيلات المعاملات المالية وتبسيط الإجراءات الإدارية. بالتالي توجهت مؤخرا أغلب الحكومات العالمية نحو إعادة تأهيل وإصلاح الإدارات الوطنية لتواكب الحداثة والمتغيرات بحيث أصبحت في مجملها إدارات إلكترونية تقدم خدمات الوثائق الإلكترونية بصفة متزايدة وتعتمد بشكل مباشر على الإتصالات عن بعد والإستخلاصات المالية عن بعد خاصة منها فواتير الكهرباء والماء والغاز والهاتف وغيرها. أما المعاملات المالية فقد أصبحت تعتمد علي بطاقات الإئتمان البنكية الذكية منها تسجيل الطلبة عن بعد أو تسجيل المشاركات في المناظرات العمومية أوحتي لصرف رواتب الموظفين وذلك مباشرة عبر التنزيل البنكي والإقتطاع المباشر للقروض السابقة لبعض الأشخاص أصحاب الديون مع الغير.
عموما تلك الخدمات الإدارية الإلكترونية قلصت من تلك الطوابير والإزدحام المتراكم داخل تلك الإدارات العمومية، كما ساهمت بدورها في تقليص عوائق التنقل وزمن الإنتظار لإجراء تلك المعاملات اليومية. بالإضافة إلي ذلك أصبحت الشركات الخاصة تعتمد مباشرة علي أحدث التكنولوجيات الحديثة لتنظيم العمل والإنتاج وذلك في ظروف جيدة منها الإعتماد علي البصمة الشخصية للعمال لتأكيد الحضور أو الدخول عبر الأبواب الإلكترونية التي أصبحت تفتح أيضا بتلك البصمات. كذلك التواصل بين الموظفين والعمال عبر ما يعرف بالأنترنات وهي شبكة إتصالات داخلية مع تجهيز تلك الشركات بأجهزة الإنذار المبكر من خلال أدوات كشف الأخطار مثل الحرائق وغيرها.
كما أصبحت أغلب الشركات العالمية الكبري تعتمد على برمجيات متطورة جدا تنظم جميع الأقسام الإدارية من محاسبة ومالية وموارد بشرية وتقنية وإنتاج وغيرها. فمجمل تلك الخدمات الإلكترونية في القطاع العام والخاص أصبحت تشكل اليوم أبرز ملامح التغيير العالمي الذي أضحي في معاملاته وعلاقاته يعتمد مباشرة على الإقتصاد الرقمي لتحقيق الإنتاجية المرضية.
مراكز النداء
إن مراكز النداء تعتبر من أكبر فروع الخدمات الإلكترونية التي تعتمد مباشرة علي تكنولوجيات الإتصال عن بعد وعلي شبكة الإنترنت من أجل العمل عن بعد. فمنذ أواخر العشرية الماضية زادت أعداد تلك المراكز بصفة غريبة ورهيبة وأصبحت تشغل في العديد من العاطلين وأصحاب الشهائد العليا.
كما أصبحت تلك الخدمات الإلكترونية تعتمد علي ربط مباشر مع أشخاص من دول أجنبية مختلفة ومع جهات خاصة أوعامة وذلك لتقديم الإستشارات والخدمات عن بعد. بالنتيجة ساهمت تلك المراكز الصغري للنداء بإدخال العملة الصعبة الأجنبية خاصة منها اليورو والدولار إلي خزينة تلك الدول، مما جعلتها مشاريع ذات مردودية عالية وناجعة نظرا للنجاحات التي حققتها طيلة تلك الفترات.
التسويق والتجارة الإلكترونية
التسويق والتجارة الإلكترونية تعتبر مهنة التجار الأثرياء في العالم بحيث أصبحت تحقق لهم أرباح طائلة ومهولة في وقت وجيز جدا عبر ما يعرف بالأفليت يعني بيع المنتجات العالمية بواسطة العمولة. إذ علي الرغم من وجود الصالح والطالح في كل بلد والطريق الصحيح والسيئ، إلا أن تجربة الإحتراف لخبراء التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني والباحثين العلميين في أرقي وأعرق الجامعات العالمية أثبتت بكل وضوح أن ذلك القطاع التجاري الإلكتروني الحيوي يعتبر تجارة المستقبل الواعدة والصاعدة. ففي هذا الصدد نذكر تجربة شركة أمازون الأمريكية عملاق التجارة الإلكترونية العالمية في مختلف دول العالم وتجربة شركة علي بابا الصينية للبيع عن بعد بحيث تحقق خزينتهما المالية يوميا مداخيل بمليارات الدولارات متأتية من عمليات البيع عن بعد.
فتلك التجارة الإلكترونية تحظي بإقبال مكثف من قبل المستهلكين بالدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي أو بالأحرى في صفوف الشعوب الثرية أما في الدول العربية والفقيرة بإستثناء دول الخليج العربي فتلك النوعية من التجارة تعتبر غائبة تماما نظرا للفقر المدقع الذي يعيشه أغلب شعوبها. فإلي جانب التجارة الإلكترونية نجد التسويق الإلكتروني الذي يحظى بدوره بإهتمام كبير من قبل الشركات العالمية للترويج من أجل التعريف بمنتجاتها لجلب أكبر عدد ممكن من الحرفاء من مختلف دول العالم. بالتالي تعود الأرباح طائلة علي التجار من جهة وعلي خزينة تلك الدول من جهة أخري من خلال تلك العملات الأجنبية الصعبة الوافدة علي خزينتها أوعن طريق الضرائب الجبائية علي تلك الشركات الإلكترونية.
التعليم عن بعد
التعليم عن بعد أصبح اليوم حدث الساعة بحيث تحول العالم الواقعي إلى إفتراضي داخل المدارس والمعاهد والجامعات. إذ برزت مؤخرا العديد والعديد من المدارس الرقمية والمعاهد والجامعات الإفتراضية والتي أصبحت تحظي بإقبال متزايد من قبل الطلاب والأساتذة من مختلف العالم. فالتعليم المفتوح دوليا ساهم في إندماج تلك المنظومة التعليمية في العولمة الرقمية وأصبحت المواد العلمية التي تقدم للطلاب ذات مواصفات دولية تعتمد علي معايير ومقاييس الجودة والفاعلية في محتواها ونتائجها. كما قلص ذلك النوع الجديد من التعليم من المسافات بين المدن والدول بحيث أصبح تلقي العلم في أي مكان وزمان بكل سهولة وبدون عوائق أو صعوبات.
بالتالي برزت العديد من المواقع الإلكترونية علي شبكة الإنترنت التي تقدم دروس خصوصية ودعم وإستشارات للطلاب مسبوقة الدفع وبرزت أيضا العديد من القاعات الإفتراضية منها المدارس والمعاهد والجامعات الإفتراضية والمشابهة كثيرا في تصميمها ومحتواها وتحقيق أهدافها للقاعات التقليدية. بالنتيجة إستفاد قطاع التعليم من التطور الحاصل في البنية التحتية الرقمية ليخلق تخصص علمي جديد يعتمد علي التعليم الخاص عن بعد والذي يعتبر في حد ذاته إستثمارا مربحا يحقق عوائد مالية هامة لخزينة تلك الدول التي أصبحت تبحث عن التجديد والتنويع والتخلص من نظام التعليم العام الكلاسيكي الذي أرهق خزينتها بتكاليف مادية باهظة جدا من أجل صرف رواتب الأساتذة أو تغطية حاجيات الطلاب.
* كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي
Comments