bah إقتصاديات دول شمال إفريقيا: تنمية إقتصادية عرجاء وإصلاحات هيكلية جوفاء - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

إقتصاديات دول شمال إفريقيا: تنمية إقتصادية عرجاء وإصلاحات هيكلية جوفاء

07/01/2019 - 04:42 AM

Atlas New

 

فؤاد الصباغ

تعتبر فترة ما بعد الثورات العربية في أغلب دول شمال إفريقيا منها تونس ومصر وليبيا والجزائر وبدرجة أقل حراك الريف بالمغرب في مجملها ذات تأثيرات سلبية عميقة علي الإقتصاديات الوطنية لتلك البلدان التي مازالت تعاني الأمرين من تراكم للأزمات الإقتصادية وتصاعد للإحتجاجات الشعبية. مما لا شك فيه أن تلك الأحداث المأسوية التي شهدتها تلك المنطقة خلال هذه العشرية تمثل في مجملها تحولا جذريا إنعكس سلبيا علي المسار التنموي والإصلاحي. ولعل أبرز دليل علي ذلك تلك المؤشرات الإقتصادية السلبية والتي تشير بكل وضوح علي تدهور الأوضاع الإقتصادية وذلك مقارنة بفترة ما قبل الثورات.

إذ تسببت تلك الإعتصامات المتتالية في تعطيل دواليب الدولة بالكامل وأضرت مباشرة بميزانية تلك الدول التي مازالت تتخبط في عجزها منذ الإستقلال إلي الآن. كما تفاقمت المديونية وتعطلت الإنتاجية العامة مما تسببت في كبح عجلة التنمية الإقتصادية التي أضحت مؤخرا مثل البطة العرجاء. أما في المقابل فقد ساهمت أيضا عمليات تعطيل الإنتاج بحقول النفط أومناجم الفسفاط في بعض الدول أوتعطيل الإنتاج داخل الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية عبر إعلان الإضراب العام والعصيان المدني أحيانا في تأزم تلك الأوضاع والتحول بالنتيجة من السيئ إلي الأسوأ.

ففي هذا الصدد شهدت أغلب مؤسسات الدولة وهياكلها إضرابات عشوائية وفوضي عارمة ولعل أبرزها كانت تلك في صلب المؤسسات التربوية والجامعية في جل تلك الدول بدون إستثناء. كما تعطلت البرامج الإصلاحية والمخططات الإستراتيجية من أجل إعادة تأهيل القطاع الخاص فتحولت بالنتيجة مجمل تلك البرامج الإصلاحية الهيكلية إلي برامج جوفاء في محتواها وأهدافها.

تنمية إقتصادية عرجاء

إنطلاقا من سنة 2011 وبالتحديد من منبع الثورات دولة تونس التي ساهمت في تصدير تلك الحركات الشعبية الإحتجاجية إلي معظم الدول المجاورة بحيث بدأت تتضح ملامح تلك العدوي الحادة التي تسببت في فوضي عارمة وأدت إلي إنهيار تلك الإقتصاديات الهشة بطبعها. إذ كانت نتائج تأثيرات تلك الثورات مختلفة من دول إلي أخري لكن أهدافها كانت واحدة وهي إسقاط النظام والإقتصاد بحيث من المعروف في الدوائر الإقتصادية أن كل عدم إستقرار سياسي يؤدي بالنتيجة إلي عدم إستقرار إقتصادي. فبالرغم من مشروعية تلك المطالب الإجتماعية منها تحسين ظروف العيش والتشغيل والزيادة في الأجور, إلا أن نتائجها كانت كارثية علي الأوضاع الإقتصادية.

بالتالي تسببت تلك الإعتصامات العشوائية والمتتالية إلي حد الآن في تعطيل الإنتاج والإنتاجية مع إحداث فوضي عارمة داخل أغلب المؤسسات الحكومية من خلال التقاعس عن العمل أوالهروب عن المسؤولية بتعلة المشاركة في الإضراب تحت شعار "تمرد شعبي وعصيان مدني".

كما كانت لإتحادات الشغل دورا سلبيا ساهم في تأجيج تلك الأحداث الإحتجاجية وبالنتيجة في تعطيل دواليب شؤون الدولة السياسية والإقتصادية بالكامل نذكر منها بالتحديد في المغرب والجزائر وتونس. أما دولة ليبيا فقد كانت إستثناءا نظرا لتضررها الكامل والشامل من الأحداث الإرهابية التي لحقتها ومن الصراعات الداخلية علي السلطة التي طالتها بحيث تحولت حقول النفط إلي مطامع محلية أودولية مما زادت بالنتيجة في تعميق ذلك الجرح الذي مازال ينزف دماءا ودموعا نظرا للحرب الحالية الدائرة بين حكومة الوفاق وأتباع المشير حفتر. عموما ساهمت كل تلك الأحداث السلبية في تخفيض نسب النموالإقتصادي إلي 1% أوأدناه في بعض الدول ولم تتجاوز 3% في بعض الدول الأخري وهذه النسب تعتبر ضعيفة جدا مقارنة مع فترة ما قبل الثورات الشعبية.

فمصطلح النموالإقتصادي يعني تراكم الثروة الوطنية السنوية أوبالأحري الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي يتحقق طيلة فترة سنة كاملة من الإنتاج والإنتاجية. بالنتيجة تعتبر تلك النسب المنخفضة جدا علي مستوي النموالإقتصادي بتلك الدول سيئة ولا تحقق الطموحات المستقبلية المرجوة وأيضا لها تأثيرات مباشرة علي التشغيل بحيث من المنظور الإقتصادي كل إرتفاع في نسبة النموتخلق فرص شغل جديدة.

أيضا يعتبر إرتفاع نسب التضخم المالي المرافق لذلك الإنخفاض في النموعامل سلبي إضافي بحيث تساهم في إرتفاع الأسعار للمواد الغذائية وتزيد من نسبة الإحتقان الشعبي للطبقات الفقيرة. أما الأضرار الإضافية التي لحقها الإقتصاد الكلي كانت علي مستوي المبادلات التجارية بحيث إختل الفارق بين الصادرات والواردات لتتضاعف بالنتيجة نسب العجز في الميزان التجاري مما إنعكست سلبا علي الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلي ذلك إنهيار العملات المحلية لبعض الدول مقابل سلة العملات الأجنبية بإستثناء عملة دولة المغرب التي لم تتضرر بشكل كبير من أحداث حراك الريف المطالب بالإنفصال وتحقيق العدالة الإجتماعية.

بالنتيجة كانت مجمل تلك الإضطرابات من إحتجاجات شعبية وتراكم العجز في الميزان التجاري والمالي نتائج سلبية علي مستوي التنمية الإقتصادية بدول شمال إفريقيا. إذ كبحت في هذا السياق الإستثمارات الأجنبية المباشرة وذلك بسبب تدهور التصنيف الإئتماني من قبل أكبر وكالات التصنيف الدولية علي غرار موديز وفيتش الأمريكيتين وذلك عبر وضع نظرة مستقبلية إستشرافية سلبية بحيث ساهمت بدورها في خلق مناخ من عدم الإستقرار لدي رجال المال والأعمال المحليين أوالأجانب. كما أنه بإعتبار أن رأس المال جبان وفقا لمنظور السوق الإقتصادية الرأسمالية الحرة شهدت أغلب تلك الدول ركودا إقتصاديا وإنكماشا ماليا علي مستوي الإدخار والإستثمار.

بالتالي كانت التنمية الإقتصادية عرجاء طيلة فترة ما بعد الثورات وتعتبر الضحية الكبري من مجمل تلك الأحداث التعيسة بحيث كبحت تماما وإقتصرت فقط علي الإعتماد علي بعض الهبات والحوافز والقروض الأجنبية من أجل تنمية البنية التحتية من طرقات ومرافق عامة في بعض الدول علي غرار مصر وتونس والمغرب. أما ليبيا فحدث ولاحرج عن التدمير التي طالها بحيث أصبحت التنمية في عتاد الموتي ودون درجة الصفر وكذلك الجزائر أضحت اليوم تعاني الأمرين من تمرد شعبي متواصل وغياب الإستقرار السياسي والإقتصادي.

إصلاحات هيكلية جوفاء

إن الأحداث التي شهدتها الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بعد الثورات العربية بدول شمال إفريقيا تعد في مجملها ذات طابع تخريبي للإقتصاديات الوطنية ولوكانت في الجانب الكبير منها مطالب حقوقية لأغلب الطبقات المتضررة من الأنظمة السابقة. فالمسار الإصلاحي الذي إنتهجته تلك الدول منذ بداية التسعينات حتي الآن تحت مظلة التحرر المالي والتجاري وبرامج الإصلاحات الهيكلية والتأهيل الشامل تحت رعاية مؤسسات البريتن وودز منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تحقق الرفاهية والإزدهار للشعوب أوالرخاء والإستقرار لتلك الدول.

بالتالي إنصهرت تلك الإقتصاديات الوطنية الهشة بطبها في منظومة العولمة الإقتصادية مع إسراعها في عملية تحرير مؤسساتها المصرفية والمالية والتي أصبحت تعتمد في الجانب الكبير علي القروض والإستفادة من الإندماج في فضاء التبادل التجاري الحر. فسياسات التحرر الإقتصادي العمياء ساهمت في تراكم الأزمات الداخلية وخلقت فوارق بين الطبقات الإجتماعية لأنها كانت غير عادلة في أهدافها الإستراتيجية وموالية فقط لنفوذ رجال المال والأعمال.

إذ من المعروف أن مؤشرات الحوكمة الرشيدة بتلك الدول في أدني مستوياتها عالميا بحيث مازالت تعاني أغلب المؤسسات الخاصة والعامة من تراكم للفساد المالي والتهرب الجبائي أوعدم إستخلاص الديون السابقة للبنوك. فتلك الأحداث زادت من الأمور تعقيدا عبر آلية وضع السبب علي المسبب أوالدخول في مستنقع وحل تعجز تلك الدول علي الخروج منه وذلك بدون إيجاد حلول جذرية دائمة له من خلال طلب إسترجاع تلك الأموال المنهوبة من قروض مهولة لصالح رجال الأعمال والتي تعتبر غير خالصة أوتطبيق المحاسبة القانونية علي الجزء الفاسد منهم واللذين تسببوا في أضرار جسيمة لتلك الإقتصاديات الوطنية الهشة بطبعها.

في المقابل أصبحت الدولة تتحمل الجزء الكبير من ذلك العبء في العجز نظرا للدور الذي يلعبه البنك المركزي بإعتباره بنك البنوك والمزود الرئيسي للسيولة المالية اللازمة في الأسواق المالية. إذ تعتبر القروض الخارجية لتلك الدول من قبل صندوق النقد الدولي من أجل إجراء إصلاحات هيكلية في مجملها ذات طبيعة ترقيعية إما لإستخلاص ديون داخلية أوخارجية متراكمة أولإعادة تمويل الصناديق الإجتماعية ولصرف رواتب الموظفين في القطاع العام.

أما البنوك التجارية والإستثمارية فهي أصبحت أيضا متضررة نظرا لتباطؤ الإصلاحات الهيكلية في القطاع الخاص وضعف السوق المحلية لتلك الدول لمجابهة القدرات التنافسية العالمية. بالنتيجة لم تشهد القطاعات الحيوية لإقتصاديات دول شمال إفريقيا إصلاحات حقيقية تذكر بحيث مازالت الفوضي العارمة تسود أغلب المؤسسات التربوية والتعليمية خاصة في المغرب وتونس ويبقي في المقابل إصلاح القطاع الخاص ضعيفا إجمالا.

أما بقية الدول فهي مازالت تعاني من الإحتجاجات الشعبية المتواصلة ومن وهن متراكم في القدرة التنافسية للسوق المحلية علي مستوي المبادلات التجارية وفي عجز حكوماتها علي مجابهة تلك الأزمات أوالحروب. عموما أصبحت مجمل تلك الأحداث بمنطقة شمال إفريقيا كارثية بحيث ظلت برامج الإصلاحات الهيكلية الموعودة جوفاء في محتواها وأهدافها.

* باحث اقتصادي دولي

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment