بقلم الدكتور لويس حبيقة
تستمر الأنظمة السياسية لأسباب متعددة، لكن أهمها قدرة المواطن على العيش الكريم أي استهلاك ما يرغب من سلع عادية وفاخرة. روسيا دولة مهمة أطاح شعبها بنظامين مهمين أولا القيصري وثانيا الحكم الشيوعي وفي الحالتين انظروا الى الاستهلاك. ارتكب الشيوعيون الأخطاء نفسها التي حصلت زمن القيصر، أي الحكم المركزي القوي بالاضافة الى سؤ التأقلم مع مطالب الشعب وعدم التغيير بالتزامن مع التطور الثقافي والتكنولوجي العالمي. هنالك وصف جميل للأنظمة السياسية الأساسية يقول "أن الرأسمالية هي استغلال الانسان للانسان، أما الاشتراكية فهي العكس تماما".
قامت الحكومات السوفياتية باعتماد الخطط الخماسية لادارة البلد بدأ من سنة 1928 حتى 1980. حققت 10 برامج خماسية لم تستطع خلالها تأمين السلع والخدمات الاستهلاكية التي يريدها المواطن ويراها عبر وسائل الاعلام، بل استفادت منها الطبقة الحاكمة فانتشر الفساد وتعززت المصالح الشخصية كما كان يحصل سابقا. بقي المواطن غير راض بل ازداد الغضب لأنه لم يحصل على حقوقه السياسية والمعيشية المطلوبة فتكونت قنبلة انفجرت في وقتها.
سقط النظام الشيوعي للأسباب نفسها التي أنهت القياصرة، وروسيا تعيش اليوم في نظام بوتين الذي يشغل العالم في أهدافه الغامضة وطرق التنفيذ العنيفة. كان بوتين واضحا منذ البداية انه يريد اعادة الاعتبار الى روسيا كقوة سياسية عسكرية اقتصادية عالمية كما حلم بها. كما يتبين لنا من المرحلتين السابقتين، لن يحقق بوتين أهدافه الا اذا رفع معيشة المواطن ووسع الحريات الشخصية. في الموضوع المعيشي، من الطبيعي أن العلاقات الدولية الحالية الناتجة خاصة عن حرب أوكرانيا لن تساعد الروس معيشيا بالاضافة الى العقوبات الموضوعة من الغرب. فالتركيز الروسي حاليا يقع على الحاجات الحربية وتجنيد الشباب واستعمال القوة للانتصار على أوكرانيا ومن وراءها.
بوتين مرتاح حاليا للصين ولا يخشاها وهي التي تستفيد من اضعاف الغرب وروسيا سوية. تنتظر بهدؤ وها هي تحاصر من وقت لآخر تايوان لتذكر العالم أن الجزيرة لها، ولا بد وأن تحصل عليها عاجلا أم آجلا. الخطوة الاقتصادية الأهم التي شارك فيها بوتين هي انشاء وتوسيع مجموعة "البريكس" كقوة اقتصادية كبيرة ربما تصدر نقدا ينافس الدولار الأميركي، علما أن ترامب بالمرصاد. بالنسبة لبوتين، أهم علاقة يجب الحفاظ عليها وتطويرها هي مع الصين ليس فقط في التجارة وانما أيضا في الاتصالات ووسائل النقل والعلوم والتكنولوجيا. تبادل المساعدات ضروري كما التعاون في مختلف الحقول. ستبقى المنافسة السياسية قائمة ليس فقط تجاه الدول الأسيوية القريبة بل تجاه الدول النامية والناشئة الى تحتاج الى كل شيء.
أما في الموضوع السياسي فلا يبدو أن المعارضة الروسية قادرة على التحرك والتخاطب فيما بينها كما بينها وبين المواطنين بحرية وصراحة كما يحصل مثلا في فرنسا وبريطانيا وتركيا وألمانيا، بل أن عدم الرضى السياسي الشعبي واضح عبر الاعلام الدولي المتنوع كما عبر الذين يأتون من روسيا. توسيع هامش الحريات ضروري تدريجيا وبشكل علني.
Comments