بقلم الدكتور لويس حبيقة
لبنان يحتاج الى اعتماد قواعد "التغيير الخلاق" للنهوض والتقدم ونقل الاقتصاد الى فترات أكثر انتاجية. كيف يمكن تقييم "التغيير الخلاق" لمراقبة تطوره عبر الوقت وللمقارنة بين المجتمعات. يمكن اعتماد عدد براءات الاختراع السنوية الوطنية كمؤشر للتجدد. نجد ان أكثرية الاختراعات تأتي من الشباب والشابات كما من الشركات الصغيرة.
فالحيوية الموجودة في الشركات الصغيرة وفي عقول الشباب غير موجودة في الشركات الكبيرة وعند الكبار والمسنين، وبالتالي النجاح في الانتاج منتظر. تشير التجارب الى أن الدول التي تنجح شركاتها في الابداع والتغيير الخلاق هي التي تحافظ على الاستقرار الاجتماعي داخلها، أي تحارب البطالة وتعالج المشاكل النابعة من توسع فجوات الدخل والثروة. توسع هذه الفجوات يؤثر سلبا على النمو والتنمية. يحتاج الاقتصاد اللبناني الى الكثير من التغيير لدعم نموه.
يعاني النظام الرأسمالي من العديد من المشاكل، واذا أضفنا اليها مشاكل المناخ النابعة أصلا من طرق الانتاج الملوثة تتبين لنا الحاجة الكبرى للتغيير. ما هي خصائص أسواق التجدد وما هي الدروس التي يمكن اقتباسها؟ هنالك علاقة ايجابية بين المنافسة والتجدد الخلاق. فالمنافسة مفيدة للتجدد اذ تدفع المشاركين الى الابداع للفوز.
هنالك أيضا علاقة ايجابية بين المنافسة ونمو الانتاجية أي زيادة الثروات وتحسن الوضع المعيشي. فالمنافسة تدفع الشركات الى تجديد وسائل الانتاج لرفع انتاجيتها والوصول الى الأسرع والأفضل. فالشركات التي تضع حواجز أمام المنافسة تسيء الى التجدد وبالتالي الى النمو. شاهدنا في قطاع التكنولوجيا مواجهات حامية بين السلطات القضائية والشركات العملاقة التي تعرقل نجاح الشركات الناشئة وتضع حواجز أمام أي منافسة مستقبلية.
هنالك مسيرة نمو واضحة للشركات من المستوى الناشئ الى الوسطي كما هنالك مسيرة أخرى واضحة بين المرحلة الوسطية والعالية. تكمن المشكلة في أن العديد من الشركات يبقى في الخانة الوسطية ولا يستطيع الخروج منها وبالتالي يفقد حيويته. فالتجدد هي مسيرة مستمرة ومن يجدد مرة واحدة فقط مثلا لا ينجح، بل يبقى في الوسط طويلا. هنالك شركات تكبر ببطئ لكنها لا تستطيع القفز بخطى كبيرة لتعزز وجودها في الأسواق وتلبي رغبات المواطنين. هذا لا يضر بالشركات لكن يمنعها من الوصول الى الفوز الكبير الذي رأيناه مع شركات التكنولوجيا العالمية حيث كبرت من لا شيء لتسيطر على الأسواق. لن يحصل "التغيير الخلاق" من تلقاء نفسه بل يحتاج إلى خطط وأفكار كما الى مؤسسات رسمية متخصصة تعزز النجاح، والى قوانين ترعى المسيرة والى تمويل ميسر يسمح للمبدعين بإطلاق أعمالهم.
يحاول اللبنانيون الانتقال الى مستقبل فاضل. هذا يتطلب الكثير من العمل لتحقيق "الاقتصاد الخلاق" المرتكز على الأفكار الجديدة أعلاه. ما يعرقل هو خاصة العمل السياسي الداخلي السلبي المبني على فكرة "أنا أو لا أحد" في غياب المحاسبة والشفافية. لم نتحرر بعد من الأنانية القاتلة التي دمرت الوهج الاقتصادي الذي عرفناه حتى 1975 وتقف في وجه أي تقدم ملموس اقتصادي وسياسي.
Comments