بقلم الدكتور لويس حبيقة
التوازن المالي والثقة مهمان، أي لن ينجح بناء نظام تجدد من دون تمويل للمختبرات والمؤلفين والمخترعين عبر مؤتمرات وندوات وهذا غير متوافر في أكثرية الدول النامية. التجدد والابتكار يعتمدان على وجود أموال لتأسيس شركات صغيرة تنتج سلع تكنولوجية يحتاج اليها المجتمع. معظم الابتكارات أو الاختراعات تقوم بها شركات ناشئة أصحابها من الطبقات غير الميسورة التي تنجح وتكون مع الوقت ثروات كبرى، فتعتبر مضرب مثل للنجاح الكبير للأجيال المستقبلية.
يجب أن يكون التمويل متوافرا لوضع شبكة اتصالات وتواصل بين المنتجين والمستهلكين لتطوير الانتاج وتلبية رغبات المستهلكين ضمن الامكانات المتوافرة. كل هذه الشروط السابقة تبنى على وجود ثقة مجتمعية قوية، اذ من دونها لا مجال لتطور المجتمعات وخلق الثروات للشعوب.
نجاح أي نظام للتجدد لا يتوقف فقط على جهود الشركات وقطاع الأعمال. هنالك ضرورة لتطوير العلاقات بين فرقاء العمل ومؤسسات القطاع العام بحيث تتوضح وتقوى النتائج لمصلحة الاقتصاد ونموه. فالتجدد هو جهد مجتمع بأكمله وليس مسؤولية قطاع الأعمال فقط. التعاون مطلوب وهو يقوي المعرفة والتعلم بحيث لا تضيع المعلومات ولا تهدر الجهود.
هنالك دول قليلة أو مناطق طورت نظام التجدد بنجاح ونذكر منها ألمانيا وايطاليا وبريطانيا واسبانيا. تؤخذ القرارات ضمنها بالأجماع بعد التشاور لمصلحة الاقتصاد. أصبحت هذه المناطق غنية ليس بفضل الحكومات وانما بسبب رغبة المواطنين في التعلم والتطور والتقدم. فالنجاح لا يكون عبر القمة أي الحكومات والسلطات العليا بل ينبع من القاعدة أي من المناطق والقيادات والسلطات المحلية.
يبنى تطور الاقتصاد على تقدم المناطق التي يتشكل منها. تتحقق فيها المعارض التكنولوجية التي تميزها مما يجعلها ورشة عمل دائمة. يبدأ التجدد في الأسفل أي في الشركات الصغيرة وفي المناطق الصغيرة ويكبر نحو العاصمة. هنالك دولتان مهمتان تتطوران بسرعة وبشكل متواصل نتيجة الجهود النوعية المبذولة من القاعدة الى الرأس وهما الصين والهند.
بالإضافة الى الاصلاحات الاقتصادية اللتان قامتا بها، هنالك عوامل مساعدة تم الاتكال عليها بنجاح وهي الثقافة والرأس المال الاجتماعي وشبكات التواصل الداخلية. هنالك في الدولتان تقدير للعمل والتعليم أعطى فرصا لتطوير المعرفة كأساس النجاح. فالصين والهند جمعتا بين التجدد وتمويله مع اختيار المشاريع المرتكزة على الارشاد التقني.
تتميز الصين بالاستقرار السياسي الذي يسمح بالتطور والتفكير الصحيح الهادئ. تتميز الهند بتنوع المجتمع دينيا وعرقيا مما يسبب من وقت لآخر سؤ استقرار سياسي. ترتكز الدولتان على قوة سكانية كبيرة حاولت الصين الحد من نموها، لكن يظهر أنها نادمة اليوم على سؤ التطبيق. ترتكز الدولتان على أنظمة تعليمية متقدمة ساهمت في جعل الاقتصادان ينموان بنسب عالية. للدولتين طموحات كبرى تتخطى الاستقرار لتصل الى التأثير على السياسة والاقتصاد الدوليين. المستقبل سيكون لهما ولمجموعة البريكس إذا أحسنت تنظيم العلاقات وخلقت المؤسسات المناسبة المالية والاجتماعية. الاقتصاد العالمي يتغير بسرعة معتمدا على قواعد جديدة لا تحقق الاستقرار فقط وانما أيضا التجدد.
Comments