bah فادي السمردلي يكتب: الإعلام الحزبي بين وظيفة التوجيه ومأزق التلميع - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

فادي السمردلي يكتب: الإعلام الحزبي بين وظيفة التوجيه ومأزق التلميع

07/04/2025 - 00:21 AM

Prestige Jewelry

 

 

بقلم فادي زواد السمردلي

(الإعلام الحزبي فضاء الفكر لا مسرح للتلميع والتمجيد الاعمى)

يُفترض بالإعلام الحزبي أن يكون سلاحاً معرفياً، ومنصةً لتوجيه الجماهير، ومرآةً تعكس أداء الحزب بصدق وشفافية غير أن الواقع يشير في كثير من الأحيان إلى انحراف خطير في مسار هذا النوع من الإعلام، إذ تحوّل في كثير من التجارب إلى أداة لتلميع الشخوص، وتقديس القيادات، وتزييف صورة الواقع، على حساب المبادئ الحزبية الأصيلة، وضد المصلحة التنظيمية العليا وهذا الانحراف لا يُعد خللاً بسيطاً، بل كارثة تنظيمية تُطيح بقيم العدالة وتكافؤ الفرص، وتُسهم بشكل مباشر في إخفاء الكفاءات وتهميش الطاقات الحقيقية، لصالح دوائر ضيقة من المقرّبين والمتسلّقين.

إن من واجب الإعلام الحزبي، أولاً وقبل كل شيء، أن يُمارس دوره بمهنية عالية لا تتبدل بتبدل الأشخاص، ولا تُطوّع لخدمة طموحات ضيقة أو أجندات فردية فلا يجوز أن يتحوّل الإعلام الحزبي إلى مديح ، أو مهرجان دعائي دائم لتلميع شخصيات بعينها وكأنها فوق الحزب وفوق المشروع السياسي ذاته فالحزب الذي يسمح لإعلامه أن يتحول إلى بوقٍ لشخوص، هو حزب يختار طواعية أن يدفن كفاءاته، ويُطفئ أنواره من الداخل.

الإعلام الحزبي الحقيقي هو ذاك الذي يُمارس التعبئة الواعية، ويشرح للناس البرامج لا الأسماء، ويربط الجمهور بالمشروع لا بالفرد وهو من يُعلي قيمة الانتماء لا التبعية، ويخلق وعياً جماعياً لا حالة من التقديس المرضي فمهمة التعبئة والتوجيه لا تعني صياغة خطابات التبجيل، بل تتطلب نقلاً صادقاً لمواقف الحزب، وتفسير سياساته بلغة مفهومة، مع تمكين قواعد الحزب من فهم ما يدور لا تلقينه كالببغاوات.

أما في جانب الدعاية السياسية، فيفترض أن يعمل الإعلام الحزبي على تسويق برامج الحزب، وإنجازاته، وتاريخه النضالي(إن وجد)، لا أن ينشغل فقط بتلميع مسؤول هنا أو نائب هناك. فالحزب أكبر من أفراده، والإعلام الذي يُفرّغ منصاته لترويج الأسماء هو إعلام يتآمر – عن قصد أو جهل – على روح المشروع الحزبي ذاتها وعندما يُختزل الإعلام في صورة فرد، فإن الحزب يتحوّل إلى شركة علاقات عامة، وتصبح المناصب غنائم لا مسؤوليات.

ولا يمكن أيضاً أن نتغافل عن مسؤولية الإعلام الحزبي في مواجهة الإعلام المعارض، وهي مواجهة لا يجب أن تكون بالسباب والشتائم، بل بالحجج والبيانات والمواقف المبدئية فلا قيمة لإعلام يرد على الهجمات بمزيد من الأكاذيب أو بالتشويه المتبادل، بل عليه أن يلتزم الانضباط المعرفي والموضوعية حتى في خضم المعركة الإعلامية.

أحد أخطر ما يمكن أن يغفله الإعلام الحزبي هو دوره في المساءلة والرقابة الداخلية ففي الوقت الذي يُفترض به أن يكون عيون الحزب على ذاته، وأن يُسلّط الضوء على مكامن الخلل، نجده – في بعض الأحيان – يدفن كل صوت ناقد، ويُحارب كل من يُنبه لخلل أو يلفت النظر إلى سلوك خاطئ وهنا يضيع صوت الضمير، وتُكافأ الرداءة، ويُعاقب الصدق، في بيئة مغلقة يحكمها الصمت المريب أو التصفيق الأعمى.

كما يُفترض بالإعلام الحزبي أن يلعب دوراً في التنشئة السياسية وبناء الكوادر، خاصة بين فئة الشباب، من خلال بث ثقافة الانتماء الواعي، والاهتمام بالتكوين الفكري والسياسي والإعلامي لمن يلتحقون بالحزب ولكن ما الجدوى من هذا التكوين، إن كان الطريق إلى المواقع والمناصب يمر عبر الولاءات الشخصية والتملق الإعلامي لا عبر الكفاءة والاستحقاق؟

وسائل الإعلام الحزبي اليوم – سواء كانت صحفاً أو قنوات أو مواقع إلكترونية – لم تعد مجرد أدوات نشر، بل باتت مراكز تأثير وصناعة وعي وهذا يضع على عاتق الأحزاب مسؤولية جسيمة في إصلاح إعلامها الداخلي، وتحريره من العقلية الفردية، وإعادة توجيهه ليكون في خدمة الحزب كمنظومة لا كأشخاص.

إن إنقاذ الإعلام الحزبي من ابواق التلميع يبدأ بقرارات شجاعة، تُعيد الاعتبار للمهنية، وتُوقف العبث بالأدوات الإعلامية، وتكسر احتكار الواجهة من قِبل أولئك الذين احترفوا الظهور وتجاهلوا الجوهر فالتمجيد الزائف لا يصنع احتراماً، والتعتيم على الكفاءات لا يُنتج حزباً حقيقياً، بل يُنتج واجهة مهترئة لحزب فقد البوصلة.

إن الحزب الذي لا يُصلح إعلامه، لن يُصلح شأنه، ومن لا يملك الجرأة على قول الحقيقة داخل بيته، فلن يُقنع الناس بمشروعه في الخارج.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment