بقلم الدكتور لويس حبيقة
في هذا الزمن حيث السياسة والاقتصاد العالميين غير مستقرين، يخاف المواطن على أمواله ويشعر بعدم الاطمئنان تجاه أوضاع بلده السياسية والأمنية. لذا يسعى لايجاد استثمارات جديدة يمكن نقلها بسهولة وتحافظ على سعرها أو أقله لا تنهار. من الأصول التي يمكن نقلها والتي تحافظ على سعرها هي المجوهرات كالذهب أو الألماس أو الفضة وغيرها من المعادن. هذه استثمارات جيدة، علما أنها لا تحمل عائدا بل يأمل المواطن بأن يرتفع سعرها مع الوقت كما أن وزنها يسمح بنقلها بسهولة من منطقة الى أخرى أو من بلد الى آخر.
هنالك ملايين الناس الذين يعيشون في دول منهارة ويرغبون في تركها، وبالتالي هذه الأصول مهمة جدا لهم. من الأصول الجيدة أيضا الساعات الثمينة التي تنقل بسهولة كما أن المعلومات الأخيرة تشير الى ارتفاع أسعارها لأن الطلب أعلى بكثير من امكانيات الانتاج. هدف المواطن تنويع الأصول التي يملكها خاصة باتجاه ما يسهل أو يمكن نقله.
في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بل المتفاقمة خاصة مع الحرب التجارية الحالية، يحاول المواطن دراسة كيفية توظيف ما تبقى من أمواله في استثمارات تعطيه عائدا ماليا كافيا. هنالك اجماع عالمي بأن أسواء الاستثمارات هو النقد، اذ يفقد قيمته مع الوقت ويمكن أن يسرق أو يهترئ كما لا يعطي عائدا. في الدول التي عرفت أزمات مصرفية كبيرة، يخاف المواطن من وضع أي نقد في المصارف لغياب الثقة ولأن بعض أمواله تكون عموما محجوزة في المصارف نفسها. النقد سيء وغير آمن والمصارف العالمية لا توحي بالثقة كالسابق. الاستثمارات الكلاسيكية كالعقارات جيدة وربما يرتفع سعرها، لكن تنويع الاستثمارات يبقى أفضل علما أن أساس قيمة أي عقار هو الموقع Location. أين تقع الأرض أو الشقة؟ في القرية أو المدينة وأين بالتحديد في كل منهما.
هنالك أسواق قديمة لكنها بدأت تأخذ أهمية كبرى منذ زمن غير بعيد أو واقعا منذ فترة الكورونا أي منذ 2019. هذه أسواق الفنون بمختلف أنواعها من الرسم الى النحت والتصوير والموسيقى والآداب وغيرها والتي تجذب المستثمرين للحفاظ على أموالهم. طبعا لا يمكن نقلها بالسهولة التي تنقل بها الساعات مثلا، لكن يمكن الحفاظ عليها علما ان امكانية سقوط السعر أقل بكثير من صعوده لأنها مشغولة من انسان أي في الاقتصاد ما نسميه "العرض العمودي" الذي يجعل السعر يحدد من قبل الطلب.
تتقلب أسواق الفنون كثيرا بسبب السياسة والأزمات العامة من حروب ومواجهات وغيرها كما بسبب الأزمات الاقتصادية والتجارية. في سنة 2019 مثلا تدنى حجم تجارة الفنون 5% أي بلغ حجمها 64.1 مليار دولار. المعروف عالميا أن أهم أسواق الفنون هي في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا. بما أن تحديد سعر لوحة فنية صعب اذ ليست هنالك أسواق واسعة وشفافة، تنتقل ملكيتها عبر المزايدات العلنية التي تقوم بها مؤسسات متخصصة تحوذ عموما على ثقة الفنان كما المواطن.
Comments