دمشق – خاص بيروت تايمز- أجرى الحوار رامز الحمصي
في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا، انبثق مؤتمر الحُوَار الوطني السوري ليُعِدّ للإعلان الدستوريّ الذي شكّل بمثابة النواة الأولى للدولة الانتقالية. حاورت "بيروت تايمز" من قلب دمشق، في هذا المقال الدكتور حسن الدغيم، عضو لجنة مؤتمر الحوار، عن أهداف الإعلان الدستوري، ومدى كونه بديلًا للدستور الدائم، والخطوات العملية لبناء مؤسسات الدولة على أسس قانونية، وصولًا إلى آليات عودة الحياة السياسية وتوزيع السلطات، مرورًا بملفات النازحين والمهجرين والتشريعات الانتقالية.
الإعلان الدستوري: حالة طارئة أم بديل دستوري؟
السؤال المحوريّ: هل يُعدُّ الإعلان الدستوري «دستورًا بديلًا» أم خطوة مؤقتة نحو دستور دائم؟
الرد القاطع من الدكتور الدغيم:
"الإعلان الدستوري ليس بديلًا عن الدستور الدائم، قولا واحدًا. بل هو "دستور حالة الطوارئ" المعتمد حين تُعلَّق عضوية الدستور السابق لقطع شرعيّة النظام البائد. إنه آلية معروفة في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، وهو بمثابة إطارٍ مؤقتٍ ينظّم السلطات ويضمن استمرارية الدولة حتى تتوفّر الظروف المناسبة لوضع دستورٍ دائمٍ عبر انتخاباتٍ واستفتاءٍ شعبيٍّ".
أما أسباب اللجوء للإعلان الدستوري
- تعطيل الدستور السابق: لرفع الشرعية عن منظومة دولة الرئيس السابق.
- السرعة في التشريع: استجابةً للتغيّر الميداني والسياسي المفاجئ.
- إطار مؤقت: ضبط القضايا الكبرى (نظام الحكم، الحريات، الفصل بين السلطات) إلى حين البنية القانونية الكاملة.
في حين أن التشاور قبل الإعلان، يكشف الدغيم لـ "بيروت تايمز"، أنّ الرئاسة السورية فضّلت عقد "مؤتمر طوارئ وطني" يضم نخبةً من القانونيين والحقوقيين والسياسيين والمجتمع المدني؛ ليُعرَض مشروع الإعلان ويُناقش على محاور الحوار الوطني الكبرى، ما أكسبه بعدًا تمثيليًا ولو جزئيًا، وضمن مشاركة أوسع من صوت الشارع.
الدكتور حسن الدغيم والاعلامي رامز الحمصي
دستور جديد أم تعديل للإعلان؟ خطوات ما بعد الإعلان الدستوري
يكشف الدغيم في حديثه، أن المسارين الدستوريين التقليديين:
- تأليف لجنة خبراء لصياغة دستورٍ يُعرض على الاستفتاء الشعبي.
- انتخاب "جمعية تأسيسية مستقلة" لكتابة الدستور، كما جرى عام 1950.
والمعوقات في الوضع السوري الراهن، غياب البيئة التشريعية حيث لا سجلات انتخابية موثقة ولا عناوين واضحة للسكان، خصوصاً في المخيمات ومناطق الدمار. وأيضا يتوزّع السوريون بين الداخل والشتات، وبين أراضٍ حارة وأخرى هادئة، مما يعرقل إجراء انتخابات حرة نزيهة.
وخارطة الطريق نحو الدستور الدائم التي يعد لها:
- تأسيس مجلس الشعب: هو المجلس التشريعيّ الانتقاليّ، يصدر تشريعات أساسية تُمكّن من تأسيس الهيئات الانتقالية.
- سنّ قوانين الهيئات الانتقالية: إنشاء هيئة العدالة الانتقالية، والهيئة الدستورية، وهيئة الاستثمار أو المجلس الاقتصادي.
- وضع قانوني الانتخابات والأحزاب: ترخيص الأحزاب والمصالحات الانتخابية، وصياغة قانون محكم يتيح العودة التدريجية إلى الحياة المدنية والسياسية.
- إجراء انتخابات جزئية: انتخاب الهيئات التمثيلية في كل محافظة ("الهيئة الناخبة")، تمهيدًا لانتخابات مجلس الشعب.
- انتخاب مجلس تأسيسي: يضم أعضاء مجلس الشعب والأحزاب المرخصة، لوضع الدستور الدائم ورفعه للاستفتاء الشعبي.
ويستبعد الدغيم تحديد مدة صارمة، ولكنَّه يعتقد أن ثلاث سنوات قد تكفي لاستكمال البيئة القانونية والانتخابية، بحيث تتحول سوريا من مرحلة الإعلان الدستوري إلى مسار الدستور الدائم.
الحقوق المدنية والانتخابات في الشتات والمهجر
يشير الدغيم في حواره مع "بيروت تايمز" إلى أهمية تنظيم شؤون السوريين في الخارج عبر السفارات وإدارات المغتربين، لتسجيل قيد النفوس بشكل يتيح مشاركتهم الانتخابية دون العودة الجسدية الفورية.
ويقول: "كما تتولى دول مثل تركيا والولايات المتحدة توفير مراكز اقتراع في الخارج، يمكن للسوريين التفاعل مع الانتخابات عبر بعثاتهم الدبلوماسية، شرط توفر سجلّات مدنية وقانون انتخاب واضح".
أما عن مزدوجو الجنسية، فبحسب القوانين السورية الحالية، يحق لحامل الجنسية الثانية المشاركة في انتخاب مجلس الشعب، لكن بعض المناصب (الاستخبارات، السلك الدبلوماسي، العسكري) تتطلب الجنسية السورية الوحيدة لضمان ولاء مباشر.
كما أن قضية تجنيس الأطفال المولودين لأمٍّ سورية، تثير حالة كبيرة، حيث «المولودين بالخارج لأمهات سوريات متزوجات من غير سوريين» نقاشًا في أروقة اللجنة التشريعية، لأن القانون القديم كان يقاصر حقّهم في الحصول على الجنسية، لكن الأمر سيُترك للهيئة التشريعية الانتقالية لوضع معايير جديدة بعيدة عن التمييز، حَسَبَ الدغيم.
بناء المؤسسات التشريعية: صلاحيات مجلس الشعب الانتقالي
تجرِبة البرلمان السابق، يتحدث الدغيم، أنه كانت دورات "جمعية الشعب" (1945-1958) نموذجًا أوليًّا للمجالس النيابية، لكن سلطة النظام السابق حولته إلى أداة لشرعنة القرارات السلطوية والفساد، مما أفقده صدقيته أمام الشعب.
لكن صلاحيات المجلس التشريعي الجديد، ستكون على الشكل التالي:
- سنّ القوانين الانتقالية: انتخابات، أحزاب، العدالة الانتقالية، التنظيم الإداري.
- تعديل أو إلغاء القوانين القديمة التي تُخالف مبادئ الثورة والحريات.
- الموافقة أو الرفض على مقترحات رئيس الجمهورية والقوانين المقترحة من الحكومة.
ويضيف الدغيم: "مجلس الشعب الانتقالي سيُمنح صلاحيات واسعة تمكّنه من فرض التوازن بين السلطات، مع آليات رقابية لضمان عدم تكرار تجربة البرلمان المُغرق في المحاصصة والفساد".
ويشدّد الدغيم على أن "النواب يجب أن يتحلّوا بحصانة جزئية تمكنهم من أداء دورهم التشريعي دون خوف من الملاحقة، مع استثناء الجرائم المشهود بها".
الحكومة والرئاسة: نظام حكومي رئاسي أم برلماني؟
يُعدُّ النظام الرئاسي خيارًا شائعًا بين الدول ذات التجربة الانتقالية التي تحتاج إلى سرعة اتخاذ القرار وتركيز السلطة التنفيذيّة لمواجهة الانقسام والفوضى.
ويرى الدغيم، أن "التجاذب السياسي في حكومات ما بعد الثورة يمكن أن يعطّل عجلة الإصلاح، كما هو الحال في تونس. لذا، فإن المرحلة الانتقالية تقتضي ترابطًا بين الرئاسة والحكومة، مع فصل مؤقت لصلاحيات التشريع عن صلاحيات الحكومة".
لكن، آلية التعيين والانتخاب هي كالتالي:
- تعيين الوزراء: يختارهم رئيس الجمهورية بالتشاور مع مجلس الشعب.
- ثقة البرلمان: تمنح الحكومة «موافقة ثقة» لممارسة صلاحياتها التنفيذية.
- مدة العهدة: يحدد الإعلان الدستوري مدة رئيس الجمهورية بثلاثين شهرًا قابلة للتجديد بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب.
الفصل بين السلطات وحماية مكتسبات الثورة
يفسر الدغيم، وجود مجلس الأمن القومي، حيث من مهامه تشكل اللجنة المكلفة بـ"إعلان السلم والحرب" والطوارئ، وتتكوّن من رئيس الجمهورية، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومستشارين.
أما الضمانات الدستورية، فلا يستطيع رئيس الجمهورية القيام بالتشريع المباشر سوى في قضايا محددة (السلم والحرب، إعلان الطوارئ).، بل أيضا تصبح الاتفاقيات الدولية سارية المفعول بعد موافقة مجلس الشعب عليها.
ويقول الدغيم، "الإعلان الدستوري لم يمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة تشريعية، بل قسمها بينه وبين مجلس الشعب، وحفظ للحقوق والحريات عبر أطر قانونية واضحة".
العدالة الانتقالية والمساءلة
وفقا لما اطلع عليه الدغيم، فإن هناك تأسيس هيئة العدالة الانتقالية، ومن مهامها أن تُشرع ضمن أولى القوانين التي يصدرها مجلس الشعب. وتعمل على:
- تحقيق مصالحات محلية وإقليمية.
- فتح ملفات جرائم النظام السابق بآليات تقاضي عادلة.
- حماية حقوق الضحايا والشهداء.
وبذلك سيحظى المواطنون بتكافؤ الفرص أمام القضاء، دون حصانات شاملة لأي مسؤول. ويجري النظر في الظروف الاستثنائية (جرائم حرب، إرهاب).
وعليه، يُظهر الدكتور حسن الدغيم عمق التحديات التي تواجهُ سوريا في رحلتها الانتقالية، وأهمية الإعلان الدستوري كإطارٍ مؤقتٍ يضبطُ عمل السلطات ويضمنُ استمراريةَ الدولة حتى تتحققُ البيئةُ القانونيةُ المطلوبة لصياغة دستور دائمٍ بإرادةٍ شعبيةٍ حرة.
وتؤكدُ الرؤيةُ المشتركةُ أنَّ مدنية الدولة وفصل السلطات وحماية الحقوق والحريات يجب أن يكونَ هدفًا ساميًا لا رجعة عنه، وأنَّ المشاركةَ الشعبيةَ وتمثيلَ الشتات والمهجر ركيزةٌ أساسيةٌ لتعزيز شرعية العملية السياسية. كذلك برز التأكيد على أنّ سوريا ما بعد الثورة لا تعودُ إلى ما قبل 2011، بل تنتقلُ إلى نموذجٍ جديد تتشابكُ فيه دعائمُ العدالة والتنمية والأمن، ضمن مفهومٍ وطنيٍ جامعٍ لا يميز بين الداخل والخارج، بين المحافظة والعاصمة.
وفي الختام، تظلُّ مسألة إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة أكبرَ التحديات، التي تتطلبُ جهدًا تشاركيًا مستمرًا، وإعلامًا بنّاءً يُسلّط الضوء على الإنجازات ويعالج المناشط بصراحةٍ وشفافية. إنها خطوةٌ في طريقٍ طويلٍ، لكنَّ الإرادة الجماعية والتوافق الوطني ــ كما عبّر عنه نداء الحوار الوطني والإعلان الدستوري ــ هما الضمانةُ الأصدقُ لسوريا الحرةِ، الحديثةِ، والقادرةِ على استعادة دورها الإقليمي والإنساني بكرامةٍ وثبات.
* رامز الحمصي، صحفي استقصائي ومحلل سياسات وباحث في مجال حقوق الإنسان. يكتب التقارير والموجزات التحليلية والتحقيقات في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الشّأن السّوري وسياسات الشّرق الأوسط، مع أكثر من عقد من الخبرة المهنية في المنطقة، يصب تركيزه على تنمية المجتمع المدني في المناطق المتضررة من النزاع عبر فهم سياسات المنطقة واستشراف المستقبل الأفضل لها.
Comments