bah الدكتور عصمت العبسي لـ "بيروت تايمز" الجيش السوري الجديد بين الاحترافية والتحديات ومصير السلاح والمقاتلين الأجانب - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

الدكتور عصمت العبسي لـ "بيروت تايمز" الجيش السوري الجديد بين الاحترافية والتحديات ومصير السلاح والمقاتلين الأجانب

04/27/2025 - 16:49 PM

Bt adv

 

 

دمشق – خاص بيروت تايمز- أجرى الحوار رامز الحمصي

 

في ظل المتغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا خلال العقد الماضي، اتجهت القيادة السورية إلى إعادة تشكيل قواتها المسلحة وفق معايير احترافية حديثة، تضمن حماية الأرض والشعب دون الانحصار في نموذج التجنيد الإلزامي التقليدي. 

من هنا جاءت حواراتنا مع الدكتور عصمت العبسي، الكاتب والباحث السوري، ومعاون دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، ليستعرض رؤية الوزارة، ويفصّل آليات الدمج والتدريب والاستفادة من خبرات فصائل الثورة، إضافة إلى معالجة التحديات المتعلقة بالعتاد، ونظام المساءلة الدستورية والقانونية، وصولاً إلى ضبط السلاح المنفلت في المجتمع.

 

أولاً: توجهات وزارة الدفاع نحو جيش احترافي

يؤكد الدكتور العبسي في لقاء حصري مع "بيروت تايمز" أنَّ خطاب السيد الرئيس كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، حيث دعا إلى إلغاء التجنيد الإجباري وتأسيس جيش “احترافي” يضاهي أعلى المعايير الدولية. ويشرح العبسي أنَّ التجنيد الإلزامي سابقاً كان يُنتج عناصر مؤقتة تتيح لهم الحصول على التصاريح العسكرية فقط عند إنجاز فترة الخدمة، دون توفير التدريب الكافي أو الحافز المهني اللازم.

"لم نعد نريد جيشاً قائمًا على الكمّ على حساب الكفاءة، بل مؤسسة دفاعية تعتمد على مأجورين محترفين، مدربين ومستعدين للقتال والعمل المشترك".
 وبناءً عليه، شرعت الوزارة في تطوير نظام توظيف جديد، يعتمد على عقود محددة المدة، وتخصصات متفرعة (مدفعية، استطلاع، هندسة حربية…إلخ)، مع منح الأولوية للمتطوعين الشباب القادرين على استيعاب البرامج التدريبية المكثفة.

 

ثانياً: الاستفادة من الخبرات الميدانية للفصائل الثائرة

يعتبر العبسي أن أكبر مورد بشري للتشكيل الجديد هو عناصر الفصائل المشاركة في الثورة السورية، الذين اكتسبوا خبرات قتالية متراكمة على مدار 12 عاماً من المواجهة. ويشير إلى أنَّ إدخالهم في إطار رسمي يتيح “صقل مهاراتهم” وضبط سلوكهم في الحدود العسكرية المؤسسية.

"خلال سنوات الثورة، وصلنا إلى كوادر قتالية مدربة، واجهت التحديات الصعبة، وأتقنت فنون الكمائن والاشتباك. واجبنا الآن أن ندمجهم في هيكلية الجيش، مع دورات مشتركة تُنمّي جانب الانضباط وتؤسس لعقيدة قتالية موحدة".
 ولعلَّ أصعب التحديات في هذا المسعى كان فك ارتباط القيادات الميدانية بميادين اقتتالهم التقليدية، وتقسيم صلاحياتهم بين العسكرية والمدنية. لكن العبسي يثني على التضحية والشجاعة التي تحلّى بها هؤلاء القادة حين أعلنوا حلّ أنفسهم والانضمام للجيش السوري الموحد.

 

ثالثاً: هيكلة القوات ودورات التدريب المشتركة

بعد الانتهاء من دمج الفصائل وتوحيد مختلف صنوف القتال، أطلقت وزارة الدفاع سلسلة دورات تدريبية مشتركة، شملت الجانب التقني (التعامل مع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة) والجانب العقائدي “عبر إدارة التوجيه المعنوي”، التي صاغت منهاجاً يعزز الولاء الوطني والانضباط العسكري.

  1. دورات الصقل القتاليّ: تتراوح بين شهرين إلى أربعة أشهر، بحسب الاختصاص، وتشمل تدريبات ليلية ونهارية ومهام تكتيكية.
  2. ورش العمل على التعاون: تهدف إلى بناء تفاهم مشترك بين عناصر القوات المنحدرة من خلفيات مختلفة، لتفادي “التشرذم الفصائلي”.
  3. التأهيل العقائدي: يقدّمه ضباط التوجيه المعنوي، ويركز على القيم الوطنية، واحترام حقوق المدنيين، وضبط النفس في ساحات القتال.

يخلص العبسي إلى أنَّ النتيجة المرجوة هي “جيشٌ محترفٌ قادرٌ على حماية التراب السوري ومكتسبات الثورة دون أي تشظٍ داخلي”.

 

رابعاً: التحديات المتعلقة بالعتاد والتسليح

رغم الطموح إلى جيشٍ حديث، يقر العبسي بأنَّ العتاد الحالي لا يزال “قديمًا روسيًا” في معظمه، وأنَّ الكثير من مستودعات السلاح تعرضت للنهب خلال السنوات الماضية. ومع ذلك، يستشرف فرصةً جديدةً لصناعة بعض الأنظمة محلياً:

"من ناحية، فقدنا مخازن هامة. لكننا من ناحية أخرى استفدنا من حلفاء أقوياء لم يتخلّفوا عن دعمنا. وبدأنا بالتفاوض على أسلحة شرقية وغربية، مع شرطٍ واحدٍ: ألا تمس سيادتنا في اختيار نوع السلاح أو مكان تخزينه".

ويشير إلى أنَّ عملية إعادة التسليح تتطلّب:

  • إعادة بناء الشبكة اللوجستية لتوصيل قطع الغيار.
  • التدريب الفني للفنيين والمهندسين على صيانة الأنظمة الجديدة.
  • شراكات تكنولوجية محدودة تسمح بنقل المعرفة إلى المصانع المحلية دون إخلال بالسرية الدفاعية.

ويضيف أن هناك وعودًا من حلفاء سوريا بتقديم دعم لتسليح الجيش وإعادة بنائه، مع التأكيد على أن سوريا لن تقبل أي سلاح يضر بسيادتها الوطنية. "لا يهم إن كان السلاح شرقيًا أو غربيًا، المهم أن يكون في مصلحة سوريا".

 

خامساً: المقاتلون الأجانب ودورهم في الجيش

تطرّق العبسي في حواره إلى ما يُثار حول نسبة المقاتلين الأجانب ضمن صفوف الجيش. ويؤكد أنَّ "الجيش سوريٌّ بغالبية 99.9%"، وأنَّ الأجانب لا يزيدون على "واحدٌ بالآلف". ويشرح أن معظمهم ممن قضوا سنوات طويلة في سوريا، واكتسبوا لغة البلد وثقافته، فباتوا “كواحدٍ منا”.

“الموضوع فُرِض على الرأي العام العالمي لتضخيم دور المرتزقة، بينما الحقيقة أن أعدادهم لا تتجاوز ألفاً، مقابل آلاف المقاتلين الذين حشدهم النظام للقتال إلى جانبه".

ويضيف أن أي قرار بشأن المقاتلين الأجانب سيخضع للتفاوض، مع التأكيد على أن المصلحة السورية ستكون الأولوية. "من ناصر السوريين، سيقف مع مصالحهم. ومن يشكل تهديدًا، لن يكون له مكان".

ويشدّد العبسي على أن معايير التجنيس والقيادية تُدرس حسب المصلحة السورية أولاً، وأن من ثبت ولاؤه واندماجه في صفوف الجيش سيكون محلّ ترحيب، لكن دون تجاوز سقف القيادة العسكرية للسوريين الأصليين.

 

سادساً: ضبط السلاح المنفلت وتنظيم حيازة الأسلحة

لا تغيب عن دستور قيادة الجيش قضية انفلات السلاح في المجتمع السوري. فبحسب العبسي، فإن جزءاً من ثقافة السوريين يرتبط بوجود السلاح، لكن المطلوب هو “ضبطه ومنعه من الانفلات”. ويشرح الإجراءات:

  1. تسجيل الأسلحة القديمة وتوثيق مالكيها مقابل توزيع رخص حيازة.
  2. تحديد فئات عمرية وضوابط لا تُجند الكبار جداً، مع استثناءات للتخصصات الدقيقة (كالتنقيب الهندسي).
  3. الفصل القانوني بين رخصة حيازة وسلطة حمل أو استخدام السلاح—الأمر الذي يبقى حكرًا على القوات الأمنية والعسكرية.
  4. مبادرات توعوية يُشرف عليها التوجيه المعنوي لتغيير النظرة المجتمعية نحو استخدام السلاح بالشكل الصحيح.

ويقرّ بأن “لا يمكن إعادة الواقع لما قبل 2011”، لكن التعايش مع ثقافة حيازة السلاح يمرّ عبر ضبط شرائحه وتطوير عقليات الاستخدام.

 

الإصلاحات المؤسسية ومستقبل المحاسبة الانتقالية

تطرق الحوار إلى الإعلان الدستوري وأحكام المحاسبة القضائية، فشرح العبسي أن الوثيقة الانتقالية لم تمنح حصانة لأي مسؤول، بما في ذلك رئيس الجمهورية، وأنَّ “الناس متساوون أمام القضاء”. كما بيّن أن البرلمان المقبل سيُقرّ تشريعات للمرحلة الانتقالية، تُنظّم المساءلة، وتضمن “ضوابط لعدم التمديد غير المبرر للرئاسة أو للسلطة التنفيذية”.

"المعضلة في سوريا لم تكن في النصوص، بل في تطبيقها. واليوم سقف الحريات مفتوح، وقيادة البلد تراجع قراراتها إذا ما لامس الشارع الثوري نبض الناس".

ويخلص إلى أن “الضامن الحقيقي لمكتسبات الثورة هو المجتمع السوري وشارعه الثائر، لا النصوص وحدها”، منوّهاً إلى أن المحاسبة ستكون بمراقبة شعبية حية ومستمرّة.

 

دور الشارع الثوري في الحفاظ على مكتسبات الثورة

رغم الأهمية البالغة للتنظيمات العسكرية والمؤسسات الرسمية، يشدد العبسي على أن الشارع السوري يملك قوة ضغط حقيقية. فقد أظهرت السنوات الأخيرة قدرةً على تعديل قرارات القيادة، وإلغاء أو تعديل سياسات رافقتها انتقادات حادة.

"الثورة ليست فقط سلاحاً ودماؤنا على الجبهات، بل هي وعيٌ يومي ونقدٌ مستمرّ لمؤسسات الدولة. وكلما كان الشارع حيّاً وواعياً، استطاع أن يحفظ مكتسبات الشهداء ويمنع تراجعها".

ويعتبر أن روسيا وغيرها من الحلفاء لاحظوا هذه الديناميكية الاجتماعية، وفهموا أن “استقرار سوريا لا يقوم على قمع الشارع، بل على إشراكه وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة”.

عبر الدكتور عصمت العبسي خلال حديثة لـ "بيروت تايمز" عن نقلة نوعية في مشروع بناء جيش سوري حديث، يُنهي العهد الذي اعتمد على التجنيد الإجباري والقيادات الفصائلية، ويبدأ عصراً جديداً يستند إلى الاحترافية، والتدريب المشترك، وضبط السلاح، ومحاربة الفساد الداخلي عبر مساءلة شعبية وقضائية حقيقية. وبينما تبقى التحديات كبيرة - من العتاد القديم إلى إعادة دمج المجتمع في العملية السياسية والأمنية—إلا أنَّ المحور الأساسي الذي تركز عليه وزارة الدفاع، وفق العبسي، هو إرادة السوريين وحرصهم على بلدٍ جديدٍ حرٍّ مستقرٍّ، يليق بتضحيات أكثر من مليون شهيد.

وإذا كان بناء جيش احترافي هو عصب حماية الأرض، فإنّ إشراك الحاضنة الشعبية في مراقبة هذا الجيش وصياغة مستقبل سوريا مناطٌ بهما معاً: المؤسسة العسكرية الواعية، والمجتمع المدني المتفاعل - لأن لا أمن حقيقي دون احترام إرادة الشعب وحريته.

 

* رامز الحمصي، صحفي استقصائي ومحلل سياسات وباحث في مجال حقوق الإنسان. يكتب التقارير والموجزات التحليلية والتحقيقات في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الشّأن السّوري وسياسات الشّرق الأوسط، مع أكثر من عقد من الخبرة المهنية في المنطقة، يصب تركيزه على تنمية المجتمع المدني في المناطق المتضررة من النزاع عبر فهم سياسات المنطقة واستشراف المستقبل الأفضل لها.

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment