بقلم الدكتور لويس حبيقة
من يتذكر منتصف 2007 حيث كان الاقتصاد العالمي ينمو والتجارة تزدهر والمصارف تعمل بفعالية بفضل ثقة المواطن والشركة. كانت الاستثمارات تحصل في كل بقاع الأرض والشركات الدولية تنوع أعمالها وتواجه المخاطر. كان هنالك دور ايجابي كبير للصين وروسيا والوحدة الأوروبية ولبريطانيا تحديدا، جميعها تصب في خدمة النمو والتنمية. كان النظام الاقتصادي الحر في أفضل أيامه والجميع يتسابق لاعتماده.
ماذا حل بالعالم حيث انقلبت الأوضاع رأسا على عقب ليس بسبب حرب أوكرانيا بل قبلها؟ هل كانت السياسات الخاطئة التي أعتمدت في كل الدول هي السبب؟ أما حرب غزة فمساوئها الدولية ستكبر ليس فقط بسبب الدمار المباشر بل بسبب تأثيرها الكبير على التجارة الدولية وبالتالي على أسعار النقل ومؤشر التضخم.
ثلاث أزمات كبرى تؤثر على العالم. الأزمة المالية تغيب وتعود وهنالك مراجعة دولية للمبادئ التي اعتمدت، منها أن الأسواق هي دائما على حق وأن معايير التبادل ترتكز على الأخلاق وأننا نعيش اليوم في فترة جديدة مختلفة عن الماضي. طبعا هذه كلها تمنيات أكثر منها تجارب ووقائع. يجب اعادة المبادئ القيمة الى الأسواق التي تعمل بفضل تعب المواطن ورغبته في تأمين عيش أفضل. أما أزمة المناخ فحية معنا وبيننا.
مؤلم مشاهدة الفيضانات والزلازل والحرائق في كل الدول حيث يذهب ضحيتها أولا الأبرياء والفقراء. تخفيف التلوث حتمي اذا أردنا العيش في مناخ نظيف يساعدنا صحيا ويرفع مستوى نوعية الحياة. تبقى أزمة الكوفيد التي غيرت هيكلية الاقتصاد الدولي بدأ من جغرافيا سلاسل الامداد الى مؤشرات الصحة وثم التضخم. أظهرت في نفس الوقت تضامنا دوليا للمواجهة لم نشهده في السابق.
كل المجتمعات تميز بين القيمة والقيم. من القيم هنالك النزاهة والايمان والعدل والمنطق والنظافة والمسؤولية وغيرها. تختلف أهمية تلك القيم بين مجتمع وآخر تبعا للثقافة والتاريخ والتربية والتعليم وغيرها. أما القيمة فترتبط بسلعة أو خدمة معينة حيث يجري تقييمها موضوعيا تبعا لتكلفة الانتاج ومدته وصعوبته ونوعية العمالة والوظائف المطلوبة كما لدور السلعة في النمو الاقتصادي.
قيمة السلعة أو الخدمة يمكن أن تكون أيضا شخصية أي مرتبطة بحاجة الانسان لها ولتأثره بها ورغبته في الحصول عليها. فالقيمة الموضوعية يمكن أن تختلف كثيرا عن القيمة الشخصية، وهذا معروف جدا خاصة في الفنون حيث فعالية الأسواق محدودة.
هل هنالك فارق بين القيمة والسعر؟ من المفروض أن يتساوى السعر بالقيمة لكن هذا لا يحصل عموما. ما هي قيمة أعمال الممرضين في المستشفيات وهل تساوي ما يتقاضون من أجور ومنافع؟ طبعا لا، فقيمة أعمالهم كبيرة وأظهرتها عالميا أزمة الكورونا، لكن السعر الذي يتقاضون هو ضئيل وظالم لهم وللمجتمع. ما هي قيمة خدمات التعليم وهل يتقاضى المعلمون من أجور ومنافع ما يساوي ذلك؟ حتما لا اذ أن قيمة الخدمات التعليمية كبيرة وتؤثر على مستقبل المجتمعات بينما أجور المعلمين ضئيلة نسبة للجهود التي يقومون بها وللنتائج.
Comments