بقلم الدكتور لويس حبيقة
لا نمو من دون عمل وابتكار وتجدد! لا تنمية من دون فرص عمل كافية ونوعية لكل القطاعات. فالتنمية تؤدي أصلا الى انتقال العامل والموظف من فرصة سيئة الى أخرى جيدة. هذا كان دور الزراعة وثم الصناعة. أما اليوم انتقل هذا الدور الى الخدمات بكافة أنواعها.
يخطىء الاقتصاديون في معظم الأحيان عندما يركزون على الاستهلاك كأهم مؤشر للنمو والتنمية. حتى مؤسس العلوم الاقتصادية "آدم سميث" وضع المستهلكين أولا، اذ ربط البحبوحة الاقتصادية بما يستطيع المجتمع استهلاكه من أفضل السلع والخدمات. لذا تجاهل المؤسس الى حد بعيد دور العمال والفرص المتوافرة لتحسين وتطوير الانتاج، واهتم كثيرا بالعامل كمستهلك. لا شك أن الاستهلاك مهم لكن استمراريته يرتكز على توافر دخل كاف يأتي من العمل والانتاج ومن التحويلات المالية الخارجية.
جميعنا نعمل ليس فقط لحب العمل وانما لزيادة قدرتنا على استهلاك أفضل السلع والخدمات. فالعمل مهم للعيش المادي، لكنه مهم أكثر ربما لجعل الانسان يساهم في تحسين المجتمع وتطويره أي تحسين صورة الذات كما الاقتصاد ككل. من يخسر عمله لا يخسر فقط الدخل المرتبط به، بل يخسر عموما معنوياته وسعادته وحتى أمله بدوره وبمستقبله. نرى عاطلين عن العمل يفقدون صحتهم اذ لا يتأقلمون مع واقعهم الجديد الصعب.
يمر الاقتصاد الدولي بظروف صعبة كما تشير اليه كل المؤتمرات، منها COP28 في دبي. هنالك مخاطر اقتصادية عالمية كالتضخم وارتفاع الفوائد وخدمة الديون وصعوبة توفير التمويل الميسر وتباطؤ النمو حتى في النمور الأسيوية والصين. قدر صندوق النقد الدولي نسبة النمو العالمي بـ 3% في 2023 و 2,9% في 2024 وهي نسب متواضعة في ظروف صعبة، مقارنة بمتوسط سنوي 3,7% في العقود السابقة وبالتالي الفارق المتراكم كبير جدا. لذا هنالك ضرورة لتأمين أموال كافية للتنمية في الدول الفقيرة منها لمكافحة التلوث المناخي.
الجديد المهم في واقعنا الحالي هو انتشار الحروب الخارجية والداخلية. لا يمكن أن نستهين بحرب روسيا على أوكرانيا وبحرب غزة التي امتدت الى لبنان وسوريا. ما حصل في كوريا الجنوبية ليس بسيطا في دولة عرفت النمو القوي لعقود. انتخاب ترامب للرئاسة الأميركية سيغير الكثير ليس فقط داخليا وانما خارجيا أيضا.
هنالك دائما صراع بين التطور التكنولوجي وفرص العمل. فالتكنولوجيا وآخرها الذكاء الاصطناعي تساهم مع الوقت في تطوير الاقتصاد لكنها لا بد وأن تخيف العمال عندما تتوافر امكانية استبدال العامل بالماكينة أو الآلة أو الحاسوب. فالتطور التكنولوجي لا يؤثر فقط ايجابا على النمو، بل يمكن أن يؤثر سلبا على الاستقرار الاجتماعي عندما يتم استبدال العامل بالآلة الحديثة. هنالك دراسات تشير الى تأثير التكنولوجيا سلبا على حياة المواطن وسعادته وعلاقاته الاجتماعية بسبب تأثيرها المحتمل على وظيفته ودخله.
لا يمكن الاعتماد دائما على العامل لتطوير نفسه بالتوازي مع التكنولوجيا خاصة في الوظائف التي تتطلب خبرة علمية غير متوافرة عنده وبالتالي مساعدة الحكومة مطلوبة.
Comments