بقلم الدكتور لويس حبيقة
مع أن التكلم عن المواضيع الاجتماعية في ظروف حرب ودمار ربما يظهر في غير محله أو سابق لأوانه، الا أن التحضير لها ولتطورها يبقى مطلوبا بل ضروريا داخل مجتمعات تريد التقدم والازدهار. هنالك حربان كبيران اليوم يهدران المادة والحياة ومن الضروري أن يؤديا الى فوز صاحب الحق أي المظلوم وخسارة المعتدي والظالم. هذا مطلوب لكنه ليس مؤكدا، اذ تاريخيا انتصر الظالمون في العديد من الحروب مما سبب ويسبب انتفاضة المظلوم ومحاولته استعادة حقه مهما كان الثمن. مع تقدم العلوم وخاصة في التكنولوجيا المدهشة في ذكائها وآلياتها وحواسبها، لا بد من تقييم تأثيرها على المجتمع خاصة على المستوى المعيشي المهم لكل انسان.
تاريخيا ارتفع مستوى المعيشة عالميا أولا مع تراكم رؤوس الأموال، وثم بفضل التقدم التكنولوجي الذي كان وبقي مدهشا. تبعا للدراسات القيمة التي أطلقها في الماضي الاقتصاديان "جوزف شومبيتر" و "روبرت سولو"، يتبين أن ثلثي مصدر التحسن المعيشي ينبع من التقدم التكنولوجي والثلث الباقي يأتي من تراكم رأس المال. طبعا هذه الدراسات لا تغطي كل جوانب الموضوع بما فيها التقدم المجتمعي المادي كما الحضاري. معظم الدراسات جزئية لصعوبة حصر كل شيء في مختبر واحد. هذا اضافة الى صعوبة تقييم بعض العوامل النوعية التي تترك كفارق بين النتيجة والمسببات.
"اقتصاد المعرفة" ليس جديدا عالميا لكنه يمكن أن يكون كذلك في مناطق جغرافية معينة لم تستطع اللحاق بعد بالتقدم الاجتماعي العالمي. تحقق اقتصاد المعرفة منذ زمن بعيد في الدول الغربية التي تشكل المصدر الأساسي لدراساتنا المدرسية والجامعية، كما لطريقة عيشنا في الطعام واللباس والرفاهية وغيرها. لا شك أن تأثير المعرفة على مستوى المعيشة أهم بكثير من التأثير المادي عبر الانتاجية والفعالية وحتى المنافسة. لذا موضوع تأسيس "أقتصاد معرفة" يبقى في غاية الأهمية للاقتصاديين وخبراء الاجتماع أيضا.
النجاح في تحقيق اقتصاد المعرفة صعب وسيكون له اذا حصل تأثير كبير طويل الأمد على مستوى المعيشة. تكمن المشكلة في كيفية ادخال المعرفة والتجدد والبحث في المجتمع لأنه لن يحصل من تلقاء نفسه، ولا بد من اعتماد سياسات عامة فاعلة تعطي النتيجة المتوخاة. هنالك دور كبير للحكومات في الوصول السريع الى الهدف. للقطاع الخاص دور أيضا، الا أن قطاع الأعمال يركز خاصة على ما يفيده مباشرة. هذا طبيعي اذ أن هدفي القطاعين العام والخاص مختلفين كما أن الوسائل المعتمدة تبقى متباينة، بالاضافة الى المواضيع المالية في التكلفة والعائد.
الحروب القائمة مكلفة وتلهينا عن الأهم الطويل الأمد وهي حياة الانسان وتطوره في العلوم. لن يكون هنالك نهوض من دون معرفة وهذه المعرفة متشعبة في فروعها وبالتالي استيعابها ليس سهلا. المجتمعات غير متوافقة حول ما نسميه "معرفة" خاصة في مجتمعاتنا التي تعتبر متأخرة في العديد من أقسامها. ليس كل من نقرأ معرفة وبالتالي يجب اختيار المصادر الايجابية المناسبة التي تبني للمستقبل.
Comments