بقلم الدكتور لويس حبيقة
هنالك دول عدة تتراجع نقديًا واقتصاديًا بينها لبنان حيث أصبح النقد الوسيلة الأكثر استعمالًا للتبادل السلعي والخدماتي بعد سنوات طويلة من التقدم التقني والقانوني في الأسواق المالية.
تحول لبنان من اقتصاد يحاول تطوير نفسه الى آخر يسهل جذب أموال نقدية من دول نامية وناشئة تحاول الهرب من الرِّقابة الدولية الصارمة واللجوء الى الربوع اللبنانية. هنالك أموال كبيرة جدا تحاول خرق القوانين الدولية لتبيض نفسها ووجوه أصحابها ودخول الاقتصادات القليلة الرِّقابة والشفافية.
قدوم أموال نقدية الى لبنان من هذا النوع يضع لبنان في مصاف الدول "المشكوك بصدقيتها" ويمكن أن يكلفنا الكثير كشعب ودولة. لهذه الشكوك تكلفة كعدم عودة الرساميل "النظيفة" وربما خروج استثمارات كبيرة الى دول "آمنة".
للنقد فوائد عدة منها سهولة الاستعمال والحفاظ على سرية الهوية الشخصية كما له مساوئ كبرى أهمها ما يرتبط بالفساد وتمويل الممنوعات والتهرب الضرائبي مما يسبب قلقا واضحا لدى السلطات الحكومية العالمية.
بسبب الأوضاع السياسية والأمنية العالمية هنالك رغبة في التخلي تدريجيا عن النقد واستعمال وسائل الدفع الأخرى، أهمها النقد الرقمي والمشفر وكل ما يجعل أي تبادل يسجل لدى السلطات الرسمية. هنالك أكثر من 100 دولة تحاول استبدال النقد العادي بالرقمي لأسباب سياسية وأمنية. المهم أن تقبل المصارف المركزية بالفكرة وتبادر الى اصدار نقدها الرقمي.
ما هي أهم منافع الانتقال من النقد الورقي الى الرقمي. وجود نقد رقمي رسمي يسهل التبادل ويقوي شفافيته. تخف تكلفة التبادل وترتفع سلامته تجاه الفرقاء كما السلطات الرسمية. وجود النقد الرقمي يسهل إدخال المواطنين حتى البعيدين عن المدن الى عمليات التبادل الداخلية والخارجية.
ستصبح العلاقات النقدية بين الدول وعبر الحدود أسهل. لكن من مساوئ هذا الانتقال اضعاف الوجود المصرفي الداخلي وربما إخراج القطاع من الاقتصاد. عندما يتم نقل أموال عبر المصرف يتم تسجيل ذلك بحيث يتأكد المشاركون من أن الأموال موجودة وأن الدفع حصل. المصرف هو الوسيط، بينما في الأسواق المشفرة لا يوجد وسيط يمكن أن يؤكد حصول عملية تبادل نقدي.
يتم التبادل فيها عبر سلسلة من الحواسب موجودة في أماكن عدة تقوم بالعمليات المطلوبة. في نفس الوقت يسهل النقد المشفر العلاقات بين المصارف المركزية وبالتالي تزدهر عمليات التبادل الدولية. تمنع المصارف المركزية عمليا المصارف التجارية من وضع الأصول الرقمية والمشفرة في ميزانياتها لأنها ترفع مخاطرها وتخفف من فرص اعادة الودائع "الآمنة".
هنالك وسائل عدة لوضع ضوابط على هذا التبادل بحيث تكون السرية فيه موجودة كما ترتفع سلامته. بدأ استعمال النقد المشفر في 2009 وامتد في العدد والقيمة وسرعة التبادل. هنالك حوالي 15 ألف أصل مشفر مستعمل عالميًا. من أهم مساوئ هذا الانتقال اخراج المصارف المركزية من سيطرتها على الأسواق النقدية مما يعني غياب مراقب فعال كما في الأسواق التقليدية. لذا المطلوب تطوير رقابة التبادل على النقد الرقمي بحيث ترتفع الثقة وتتحسن السلامة.
Comments