كريم حداد *
في ظل تعقيدات المشهد السياسي والقضائي اللبناني، يأتي توقيف رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان، ليشكل منعطفًا تاريخيًا في مسار النظام المالي والسياسي في البلاد. لطالما كان سلامة شخصية مؤثرة في المشهد السياسي اللبناني، مدعومًا من قوى نافذة استفادت من سياساته المالية على مدى عقود. ومع ذلك، فإن انتهاء ولايته في عام 2023 وما تلاها من تحقيقات محلية ودولية بخصوص اتهامات بالفساد والثراء غير المشروع، إلى جانب قرار توقيفه، يعكس تحولاً لافتًا في مواقف القِوَى السياسية والقضائية التي كانت تحميه.
سلامة، الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالطبقة السياسية الحاكمة، كان يتمتع بحماية سياسية قوية. ومع ذلك، يبدو أن هذه الحماية قد تلاشت تدريجيًا بعد انتهاء ولايته. تصريحات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، التي أفادت بعدم التدخل في القضاء، تفضح ما بات يُعرف بسياسة "النأي بالنفس" التي اتبعتها بعض القوى السياسية. هذا التخلي الواضح عن سلامة يوحي بأن الغطاء السياسي الذي لطالما حماه قد سُحب، مما يمهد الطريق لملاحقته قضائيًا.
توقيت توقيف سلامة له دلالات عدة. يبدو أن السلطة السياسية انتظرت اللحظة المناسبة للتحرك ضده، بعد أن جمعت ما يكفي من الأدلة والوثائق التي تؤكد تورطه في جرائم مالية. القرار الذي اتخذه القاضي جمال الحجار قد يكون نتيجة ضغوطات دولية أو داخلية تدفع باتجاه مكافحة الفساد في ظلال أزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد. ثم أن هذا التحرك يعزز من صورة القضاء اللبناني الذي يسعى لاستعادة الثقة المحلية والدولية.
يُعتبر رياض سلامة "بنك أسرار" للطبقة السياسية الحاكمة في لبنان. ومن المتوقع أن يؤدي توقيفه إلى تداعيات واسعة على الساحة السياسية، حيث قد يسعى لكشف أسماء وشخصيات نافذة متورطة معه في الجرائم المالية. هذه الخطوة قد تشعل معركة سياسية داخلية، حيث قد يحاول سلامة استخدام ما بحوزته من معلومات كأداة للدفاع عن نفسه. هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تساقط عدد من الشخصيات البارزة في البلاد، ما يضع الطبقة الحاكمة أمام تحديات غير مسبوقة.
على الرغم من توقيفه، لا يزال المسار القضائي لرياض سلامة غير واضح. قد يتم الإفراج عنه بكفالة أويستمر التحقيق معه لفترات طويلة. ومع ذلك، من المرجح أن تتكثف التحقيقات وتوجه إليه اتهامات أكثر خطورة إذا ما تعمقت السلطات في البحث. مدى تعاونه مع التحقيقات أو استخدامه للأوراق التي بحوزته سيحدد مسار هذه القضية وتأثيرها على المشهد السياسي في لبنان.
يمثل توقيف رياض سلامة تحولًا جذريًا في النهج القضائي تجاه الشخصيات السياسية والمالية البارزة فيلبنان. هذه الخطوة قد تكون بداية لمحاسبة الفاسدين واستعادة الثقة بالنظام القضائي. ومع ذلك، فإن هذا التحرك لا يخلو من المخاطر السياسية، حيث إن الكشف عن تورط شخصيات نافذة قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية جديدة. ما يحدث اليوم ليس مجرد محاسبة فردية بل قد يكون بداية لمعركة أكبر بين أقطاب السلطة في لبنان.
* كاتب وباحث في الشان اللبناني
Comments