بقلم الدكتور لويس حبيقة
عامل مهم جدا مهمل في الدول الناشئة ولا سيما في النامية هو الإنتاجية. الدول الصناعية تنعم عمومًا بمستوى أنتاجية عال نتيجة جهود كبيرة في القطاعين العام والخاص. الإنتاجية هي قيمة انتاج الفرد الواحد أو انتاج وحدة رأس المال. رفع الإنتاجية يؤدي الى المزيد من الثروة والبحبوحة في الاقتصاد. مجموع الإنتاج مهم، لكن انتاج العامل الواحد أهم ويؤدي الى اتخاذ قرارات كرفع الأجور أو زيادة عدد العاملين أو الاثنين معا.
ما يبقي الولايات المتحدة الاقتصاد الأول في العالم ليس عدد السكان ولا حكمة مختلف الرؤساء ولا فعالية الكونغرس وغيرهم. ما يبقي أميركا الأولى هي الانتاجية المرتفعة العائدة الى القوانين والتمويل والسوق الواسعة التي تسمح للطموح الفردي بأن يتفجر. ما زال الناتج المحلي الإجمالي الأميركي يشكل 25% من ناتج العالم و58% من ناتج دول مجموعة السبعة.
نتذكر جميعا في العقود الماضية كيف انتشرت الدراسات التي توقعت الفوز الاقتصادي لليابان على الولايات المتحدة وهذا ما لم يحصل. الناتج الفردي الأميركي هو 50% أكبر من الياباني بعد ان كان 17% أعلى فقط في العقود الماضية. أميركا تبقى متفوقة اقتصاديًا بالرغم من كل العوائق.
لكل رئيس أميركي مشروعه الاقتصادي الذي يسعى لتطبيقه خلال الفترة الرئاسية أي 4 سنوات. واذا جدد للرئيس بايدن، تكون له 8 سنوات وهي كافية لتقييم انتاجية أي رئيس. من مبادئ الرئيس بايدن محاربة البطالة وتحقيق النمو، لكن الجديد هو أن سياسته الخارجية هي سياسة الطبقة الوسطى أي تبنى العلاقات الخارجية لادارته على ما يفيد الأكثرية الأميركية العاملة والمنتجة. في نفس الوقت، يؤشر بايدن مرارا الى توصيته للأميركيين بأن يشتروا السلع والخدمات الوطنية وليس استيرادها.
هذا سهل فهمه داخليا لكن يصعب قبوله دوليًا أذ يؤشر الى رغبة انعزالية أميركية مستمرة منذ ترامب. في كل حال، توضع السياسات أحيانا ليس لصوابيتها وانما لجذبها الناخبين في فترات انتخابات تنافسية ودقيقة. من العوامل الجديدة المؤثرة في الانتخابات الحالية هو موقف الادارة تجاه كل ما يرتبط بحرب غزة. الأميركيون منقسمون ويجب متابعة تصرف المرشحين الأساسيين بدقة خلال الأشهر المقبلة.
بينت الحرب الأوكرانية أن هنالك مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية. هنالك من يبني قوته أو مصالحه على أن الغرب ينحدر وأن العالم انتقل من مرتكز على قوة اقتصادية واحدة الى آخر معتمدا على قوى ثلاث أو أكثر. لا تشير الوقائع الى صعود روسيا والصين لمنافسة أميركا اقتصاديا وماليا ونقديا. لكن كلما طالت الحرب الأوكرانية كلما تغير العالم أكثر ليس في نوعية الانتاج وانما في توزعه على الدول والقارات.
إذا عاد الرئيس ترامب الى الحكم، يمكنه كما قال أن ينهي الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة. في كل حال، أوروبا موحدة سياسيا مع أوكرانيا، لكن ليس شعبيا كما تشير اليه الانتخابات الأوروبية الأخيرة. أوروبا منهمكة بحاجتها الى الطاقة، كما بتضرر مواطنيها من التضخم.
Comments