بقلم الدكتور لويس حبيقة
معظم حكومات العالم يرغب في تحقيق نمو داخلي قوي. لكن الرياح تجري كما لا تشته السفن حتى في أهم دول العالم وأعرقها. أكثر ما يؤخر النمو هي العوائق السياسية التي تنعكس سلبا على كل المشروعات من أمنية وعسكرية الى اقتصادية واجتماعية.
من الأمثال الكبيرة الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان الذي دام 20 سنة وكلف 837 مليار دولار في الانفاق الحربي وحوالي 3587 قتيل من الجيش الأميركي وحلفائه كما 66 ألف قتيل من الجيش الأفغاني. اضطرت أميركا للخروج وهذا لم يكن متوقعًا نظرا لقوة أميركا وضعف القوات المعادية. ألم يكن من الأفضل للجميع لو انفقت الأموال على التنمية ووظفت الطاقات البشرية للبناء والنمو.
ما زالت مراكز البحوث الأميركية تدرس أسباب الفشل في أفغانستان، لكن النتائج واضحة أي غياب الرؤية كما التسرع في التنفيذ بالاضافة الى التوقعات الخاطئة وضعف الاشراف على التنفيذ. كانت أهداف الولايات المتحدة أحيانا متناقضة، بينما أهداف القِوَى المحلية المواجهة واضحة مما جعل القتال صعبا ومكلفا. لا شك أن هذه الأموال كانت ستكون مجدية أكثر بكثير لو أنفقت مثلا على الداخل الأميركي حيث الحاجات ما زالت كبيرة.
هنالك أيضا تصرفات مدهشة في عنفها داخل مجتمعات متطورة تؤخر النمو والاستثمارات. ما جرى في الولايات المتحدة من اعتداء على الكونغرس بعد خسارة دونالد ترامب للانتخابات كان عنيفًا ومدهشًا في توقيته ومبرراته، فأصاب سمعة الولايات المتحدة الديموقراطية وانعكس سلبا على الاستثمارات. أما الانتخابات الرئاسية الحالية فيمكن أن تؤدي الى نفس التصرفات اذا خسر مرشح المتطرفين أي دونالد ترامب.
ما جرى في البرازيل أيضا كان مشابها بعد خسارة بولسونارو وفوز لولا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. انعكس ذلك سلبا على البرازيل التي ما زالت ديموقراطيتها ضعيفة مقارنة بأوروبا وأميركا الشمالية. عرقلة مسيرة النمو بسبب السياسة والعنف تكون دائما مكلفة.
أما الاحتجاجات في فرنسا ضد قانون التقاعد وغيره من الأمور، فهي ربما تكون مبررة سياسيا واقتصاديا لكنها غير مبررة في عنفها وكأن المتظاهرين ليسوا فرنسيين ولا يهمهم مستقبل بلدهم ونموه. تصرفات تعرقل الاستقرار وتؤثر سلبا على النمو.
لا شك أن الحرب الروسية في أوكرانيا تضر بالنمو العالمي بصورة مباشرة وغير مباشرة. ما يحصل من دمار وأنفاق عسكري كبير بالاضافة الى الخسائر البشرية محزن وكان من الممكن تجنبه في السياسة. في كل حال، تنفق مليارات الدولار على التسلح وهنالك خسائر كبيرة في النمو وبالتالي مهما كانت نتائج الحرب، ستكون خسارة للجميع.
في غير المباشر ارتفاع أسعار السلع والطاقة نتيجة الحرب أضر بالاقتصاد العالمي وخاصة بالدول الفقيرة التي تحمل ديونا باهظة وتحتاج الى كل نقطة نمو. أما العقوبات على روسيا فتضر ليس فقط بها بل تعرقل التجارة العالمية وتوتر العلاقات الاقتصادية العالمية. تضررت العلاقات التجارية بين روسيا وأوروبا كثيرا بسبب اعتماد أوروبا التاريخي على الطاقة الآتية منها وضرورة التنويع السريع.
Comments