بقلم الدكتور لويس حبيقة
يجمع الاقتصاديون على أن التجارة مهمة جدا للنمو وبالتالي تساعد على التنمية اذا طبقت مع سياسات اجتماعية مناسبة. ساهم الازدهار التجاري الذي حصل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في تخفيف امكانية حصول حروب كبرى الا أنها تحصل في أوكرانيا وغزة بسبب سؤ معالجة المشاكل الدولية من قبل الأمم المتحدة والدول الكبرى. أما اليوم ومع العوائق أمام العلاقات التجارية، حتى لو كانت مبرراتها كبيرة ومهمة، تعود فرص الحروب المباشرة وغير المباشرة الى الارتفاع كما يحصل بين أميركا وروسيا وبين أميركا والصين. التجارة القوية الناجحة تغير الأولويات، أي ربما تصبح المواجهات السياسية والعسكرية غير مرغوب بها وتتعزز سياسات النمو والتنمية.
جميع الاقتصاديين يوافقون على وجود علاقة ايجابية مباشرة بين الحركة التجارية المحلية والخارجية من جهة والنمو من جهة أخرى. يجمع أساتذة الاقتصاد في كل الدول ومن مختلف المدارس النظرية على أهمية تطوير العلاقات التجارية لأسباب سياسية وتنموية. اذا سمح للتجارة بالازدهار، لا بد وأن يتأثر الاقتصاد ايجابا ويرتفع مستوى المعيشة ويخف النزوح السكاني المؤلم الذي نشاهده اليوم خاصة من المنطقة العربية الى أوروبا ومن دول أميركا الوسطى الى الولايات المتحدة. هنالك علاقة سلبية واضحة بين التجارة والنزوح، للأسف لم يفهمها العديد من سياسيي العالم بمن فيهم بعض المسؤولين الأساسيين.
ما يتم وضعه اليوم دوليا من عقوبات تجارية له أهداف سياسية أولا ويضر بالأفرقاء جميعا. من يصدر يخسر، ومن يستورد يخسر أيضا لكن ما يهم المسؤولين السياسيين هي المبارزة السياسية والانتصار بها حتى على حساب مصالح الشعوب. خلقت منظمة التجارة العالمية WTO في 1995 لتطوير قواعد التجارة الدولية وتنميتها وكانت وريثة جيدة للغات GATT، لكن الدول الأساسية لم تسمح لها حتى اليوم بتأدية مهماتها كما يجب. تحاول المديرة العامة الآتية من نيجيريا أن تخرق الحائط الموضوع أمامها وأمام مؤسستها، لكن النتائج لم تصبح بعد كما تشتهي.
زعيمة الاقتصاد الحر أي الولايات المتحدة هي التي تضع وتطبق أكثرية العقوبات التجارية على العديد من الدول. وضع الرئيس السايق ترامب ضرائب جمركية مرتفعة على الواردات الصينية وما زالت هذه العقوبات قائمة بالرغم من اقتناع الرئيس بايدن بأن التجارة مصدر النمو كما قال مرارا. تقوم أميركا اليوم بدعم صناعة بعض الالكترونيات التي كانت تستوردها من الصين. لكن فكرة الاستغناء عن القوة الأسيوية قائمة مع أنها عمليا مستحيلة، اذ أن الصين في نفس الوقت قوة كبيرة منتجة ومستهلكة. هنالك أيضا جهد أميركي قوي لمنع انتقال التكنولوجيا الغربية المتطورة الى الصين خاصة تلك التي يمكن أن تساعد الجيش الصيني. التجارة هي سلاح سياسي مؤثر في العلاقات الدولية وان اساءة استعمالها يمكن أن يؤدي الى مواجهات متنوعة مؤذية وربما حروب مباشرة. عندما تختلط المصالح والقرارات السياسية بالاقتصادية، تتأثر الأوضاع الاجتماعية سلبا وتهمل مواضيع الفقر والهجرة التي لها تأثيرات سياسية ايجابية على المدى الطويل.
Comments