الليرة ضحية السياسة

04/02/2024 - 08:29 AM

اطلس للترجمة الغورية

 

 

بقلم الدكتور لويس حبيقة

 

كنا نفتخر لبنانيا وعلى مدى عقود أن الأوروبي والأميركي يعملان بجهد كبير ونحن في لبنان نستهلك بترف وسهولة. كان اللبناني يعيش بأوضاع معيشية أفضل من الغربي وكان العالم يعجز عن تفسير هذه العلاقة. كان الغربي والشرقي والمواطن العربي حتى في الدول الغنية يتفاجأ كيف كنا نعيش في لبنان في بحبوحة لا يتمتع هو بها بالرغم من أن اقتصادنا لم يكن متنوعا بل أن انتاجيتنا ضعيفة وفعاليتنا متدنية. أتت حرب 1975 لتحدث شرخا كبيرا في المسيرة الاقتصادية، حيث تبين للعالم وللبناني أن الركائز التي بني عليها اقتصادنا كانت ضعيفة أي صناعة وزراعة متواضعتان مع قطاع ثالث قوي ميز لبنان لعقود.

فالحرب ضربت القطاعين الأول والثاني، أما الثالث فلا أمل له في النهوض في زمن الحروب والتشنجات. هبط الاقتصاد بقوة منذ تلك الفترة ولم تنجح كل السياسات وحكومات بعد الطائف في تصحيح الخلل البنيوي القطاعي الذي كان يخدم مصالح سياسية واقتصادية معينة.

في أوضاعنا الاقتصادية الصعبة، هنالك ضحية أساسية تنتج عن المأزق السياسي الدستوري. أين يصرف الشغور الرئاسي والشلل الحكومي والتعطيل البرلماني والتخبط المؤسساتي؟ يصرف عمليا في سقوط الليرة وانهيار النمو وارتفاع البطالة وتدني مستوى المعيشة الى حدود لم نعرفها تاريخيا.

تكمن المشكلة في أن الجميع في الداخل والخارج ينظر الى سعر صرف الليرة تجاه الدولار وكأنه هو المشكلة، بينما هو خلاصة الأزمة بل نتيجة التأزم غير المسبوق في عمل القطاع العام. ما جرى خلال عقود هو تعطيل لعمل الليرة كنقد وطني علما أنها شكلت وجه لبنان في أفضل أيامه وأيضا في أيامه الصعبة.

الاستقرار الحالي لليرة سيكون حكما مؤقتا اذا لم تستقر الأوضاع السياسية ويعود النشاط الاقتصادي الى سابق عهده. أما السياسات الاقتصادية الحالية، فلا بد من وصفها بالمتخبطة والمترددة أي لا ترتكز على منطق واضح يمكن الدفاع عنه.

نتجت حركة 17 تشرين 2019 عن سؤ الاداء السياسي وغياب الديموقراطية الحقيقية التي نحلم بها كما عن عدم احترام المواطن بل معاملته بالطرق التي يرفضها والتي أسست للغضب الشعبي المستمر. تعودنا في لبنان على تجاهل المحاسبة وما هي قضيتا انفجار المرفئ واختفاء الودائع الا لتؤكدا على ذلك. استسهلت الطبقة السياسية التي ادارت البلد معاقبة البريء وتجاهل حقوقه وبالتالي لم يستطع المواطن الاتكال على قطاعه العام حتى في أبسط الحقوق المدنية.

ها نحن نشهد اليوم ما لا يتقبله أي انسان وأي منطق وهو رفض شهادة مسؤول ومواطن أمام القضاء دون أي حسيب أو رقيب. بعض السياسيين يحمون من يستقوي على القضاء وبالتالي أصابوا سمعته كما ثقة الموطن بدولته ومؤسساته. كل هذه الأمور انعكست سلبا على الليرة وأصابت وهجها وقيمتها في الأسواق. كيف يمكن لانسان أن يطلب الليرة في ظروفنا الحالية بل يعرضها مقابل الدولار أو غيره من النقد. في الاقتصاد هذه هي أبسط قواعد العرض والطلب.

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment