بقلم الدكتور لويس حبيقة
هنالك طلب قوي على المعدن الأصفر يرتفع في زمن الأزمات اذ ينظر الى الذهب كملجأ آمن يحمي من التضخم كما من الأزمات. يسهل نقله اذا اضطر المواطن الى ترك المنزل هربا من مشكلة أو حادث ما. للأسف لا ينفع المعدن عند الهرب من الزلازل كما حصل مع الكارثة التي وقعت مؤخرا في تركيا وسوريا وامتدت أثارها إلى لبنان. ينظر المواطن الى الذهب أصلا برغبة وإعجاب وله قيمة معنوية عنده تفوق أحيانا سعر السوق.
لون الذهب جاذب وبريقه لافت وبالتالي يسوق نفسه. قيمته كبيرة وصعبة التحديد، وهذا ليس حال كل المعادن والمواد الأولية بل مجموعة صغيرة جدا. مؤخرًا لم ينجح الذهب في تغطية أثار التضخم أو السقوط النقدي، وبالتالي خف الطلب عليه. حتى في الأشهر الأخيرة ومع التضخم القوي، لم يتحرك سعر الذهب للمواجهة بل بقي متفرجًا وهذا ما أزعج المستثمرين بل المواطنين الراغبين في الحماية المالية.
لكن بسبب غياب البدائل المناسبة، ارتفع الطلب على الذهب مؤخرًا أي 18% في سنة 2022 أو 4741 طن من المعدن تبعا للمجلس العالمي للذهب. هذا هو المجموع الأعلى منذ 11 سنة ويعود إلى طلب المستهلكين العاديين كما إلى المصارف المركزية (1136 طن) التي عززت مخزونها. الخوف من الأوضاع العالمية السياسية المتقلبة واستمرار حربي أوكرانيا وغزة كما الحماية النقدية من التضخم سببا هذه الزيادة الكبيرة في الطلب.
هنالك من اشترى الذهب للاستثمار آملا في الربح مع البيع، وهذا ليس بالتفكير الخاطئ في هذه الظروف. كلما خفت الفوائد النقدية كلما تعزز سعر الذهب وهذا ما كان متوقع حصوله مؤخرًا مع تعهد المصرف المركزي الأميركي بذلك. لكن هنالك تراجع واضح من قبل المصارف المركزية حول تغيير الفوائد خوفا من أن يشتعل التضخم مجددًا.
الطلب العالمي على الذهب للمجوهرات يأتي من مصادر معروفة أي الصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي. تخلت الصين عن المركز الأول عالميًا بسبب سياستها تجاه الكورونا التي أثرت سلبا على السلة الاستهلاكية الداخلية. تركت المركز الأول للهند حيث الرغبة في المعدن الأصفر تتخطى الظروف والأوضاع الاقتصادية وتقع في قلب الأفضليات السكانية منذ قرون. أما الطلب على الجواهر الذهبية في المنطقة العربية، فارتفع 15% السنة الماضية معتمدًا خاصة على دولتي السُّعُودية والأمارات. أما العرض العام للذهب فلم يرتفع الا 2% السنة الماضية مما يشير الى إمكانية ارتفاع السعر قريبًا. عرض الذهب محدود طبيعيًا ولا يمكن التحكم به بحرية كحال النقد.
في الأجواء الحالية الدولية المتقلبة، من الصعب تحديد سياسات اقتصادية فضلى. هنالك أيضا فرص استثمارية كبيرة بدأ من العقارات الى الأدوات النقدية الرقمية والمشفرة. تتكاثر الخيارات المعقدة أمام المواطنين العاديين الذين يواجهون تكاليف معيشية باهظة بالإضافة الى أسواق مالية غير شفافة. الأرباح المحتملة لأسواق حديثة يمكن أن تبقي أدنى من التكلفة، لكن أيضا هنالك إمكانية لأن يحصل العكس.
Comments