بقلم الدكتور لويس حبيقة
اللبنانيون مختلفون اليوم ليس فقط على اختيار رئيس للجمهورية وعلى طريقة ممارسة الحكم بل متناقضون بما يخص تفسير الدستور وغيرها من الأمور الأساسية التي يجب أن تكون موضع اتفاق وتوحيد وليس تفرقة في بلد واحد. اللبنانيون متفقون على ضرورة التغيير وان الأمور ليست جيدة لكنهم مختلفون حول الصورة الاقتصادية المستقبلية للبنان التي تسمح لنا برفع مستوى المعيشة. نحن متفقون على ضرورة رفع الناتج المحلي الاجمالي وتطوير الاقتصاد، لكننا مختلفون حول الاتجاهات وطرق التنفيذ ومن يقوم بها.
نحتاج الى وصفات اقتصادية جديدة مبنية على أفكار خلاقة متطورة تنقذنا. الأوقات الحالية الصعبة لا تسمح بالقيام بالتجارب والمخاطرة، بل يجب أن تكون لنا رؤية واضحة متطورة. المهم أن لا نقع في الخطاء الكبير أي مصادرة الدولة لودائع المواطنين المصرفية أو حتى جزأ منهم. نقتل عندها قطاعنا المصرفي وربما اقتصادنا الى الأبد. علينا أن نتوقف في لبنان عن معاقبة الأبرياء وتحميلهم كل المسؤوليات.
معظم دول العالم له طابع اقتصادي معين دون أن يكون متخصصا في قطاع واحد. هنالك دول تبرع في الخدمات وأخرى في الصناعة أو الزراعة تبعا لأفضلياتها المقارنة وربما موقعها الجغرافي. برع لبنان حتى سنة 1975 بقطاعه الثالث وتفوق اقليميا بالسياحة والمصارف والتأمين وغيرها من الخدمات، نضيف اليها التعليم والاستشفاء. القطاع الزراعي كان وما زال ضعيفا بسبب عدم الاقتناع داخليا بقدرته على الازدهار وبسبب عدم التركيز على سلع معينة يمكن لبلد صغير ومنتج أن يفوز بها.
اخترنا سلعا زراعية مهمة كالقمح والبطاطا، لكن لا قدرة لنا على الفوز معها مقارنة بالجوار السوري وما بعد حيث الأراضي أوسع واليد العاملة أوفر والتمويل متاح أكثر وربما أيضا الارشاد. قطاعنا الصناعي بقي صغيرا وان كان مميزا ومنتجا اذ برعنا في صناعات مهمة كالملابس والمجوهرات وثم المحركات وسلع الاستهلاك وغيرها.
لكن كان قطاعنا الثالث أو الخدماتي هو الذي ارتكزعليه اقتصاد لبنان الذي نجح اللبناني به وأصبح اقتصادنا قبل 1975 يقارن بالبرتغال وأيرلندا وقبرص وغيرها. أتت الحرب وتبين لنا بالاضافة الى الدمار المادي والخسارات البشرية والهجرة، أن نموذجنا الاقتصادي لم يكن صلبا ولم يحمنا من المصائب.
هل يجب أن نفكر اليوم في بناء اقتصاد ذو وجه آخر؟ أي أقل خدمات وأكثر صناعة وتجارة؟ هل نعدل في قوانيننا الاقتصادية وعلاقاتنا الدولية؟ ترك لبنان كليا لمطالب السوق ربما يقودنا مرة أخرى الى اقتصاد مماثل لما قبل 1975 لأنه يتأقلم مع عقلية اللبناني الراغب دائما في الربح السريع.
أوضاع البنية التحتية كما الفوقية غير مقبولة. لا يمكن النجاح اقتصاديا من دون خدمات متطورة في الكهرباء والاتصالات والنقل والمياه والتكنولوجيا وغيرها. البنية الفوقية التي ميزت لبنان تعاني من شح المال والأفكار والعزيمة بل القدرة على التنفيذ. نحتاج الى المال في كل القطاعات بل الأهم نحتاج الى ارشاد متخصص عصري يدلنا على طرق الانفاق الفاعل.
Comments