بقلم الدكتور لويس حبيقة
نمر في لبنان في ظروف صعبة ليست فقط سياسية وانما خاصة اقتصادية واجتماعية. تكمن المشكلة في أن اداء السلطات عموما ليس بمستوى الأزمة وطموحات اللبنانيين. التخبط موجود والتردد واضح وحسن اتخاذ القرارات غائب. من الضروري انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتسلم السلطة بسرعة كما يحصل في كل الدول. من الضروري أيضا تشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات لتعالج الخلل الموجود في كل القطاعات والمؤسسات والقوانين. لم تعط الجلسات السابقة للانتخاب نتيجة، والمقلق هو أن علينا أن ننتظر توافق 128 نائب قبل انتخاب الرئيس وهذا شبه مستحيل لأن الخلافات أو الاختلافات كبيرة واضحة وعلنية. نسير فعلا في الاتجاهات الخاطئة والخطرة.
لا مفر من توقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي ليس فقط للحصول على قرض منه وانما هذا الاتفاق يفتح الباب أما أموال أخرى أهم وأكبر أي قروض ومساعدات تأتي من الدول الشقيقة والصديقة بعد التوقيع. واقعيا البدائل الأفضل غير متوافرة بالاضافة الى أن الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد منطقية وليست تعجيزية وأصبح الصغير قبل الكبير في لبنان يعرفها غيبا. يدرس المجلس النيابي اليوم حسابات 2023 و موازنة 2024 في نفس الوقت وهذا غير منطقي واقعيا وعلميا ويخرج عن مبادئ المحاسبة العامة.
لتحقيق موازنات مستقبلية فاعلة وشفافة يجب أن نقرر في أي اتجاه نريد أن يتوجه البلد. هل يجب أن يبقى الانفاق فقط جاريا؟ هل من الممكن وضع برنامج للانفاق الاستثماري لأن وضع البنية التحتية سيء بل يحتاج الى الصيانة والتجديد والاستبدال؟ اذا قبلنا بضرورة الانفاق الاستثماري، أي مرفق نختار وما هي الأولويات؟ أين التمويل وقد عرفنا مؤخرا أن هنالك امكانية لرفع الايرادات حتى في ظل البنية الحالية أي في المطار والمرافق العامة عبر أعمال وخدمات تباع لقطاع الأعمال والمواطنين.
أسواء المعارضات هي معارضة كل شيء وأسواء الموالاة هي القبول بكل شيء. في الدول المتطورة ديموقراطيا، تهنئ المعارضة الأحزاب الحاكمة عندما تقوم بأعمال جيدة وهذه هي طبيعة العمل السياسي الجدي. تنتقد الأعمال الخاطئة وتعرض البدائل مما يساهم بانقاذ البلد ومساعدة المواطن. المعارضة للمعارضة والموالاة للموالاة هما في غاية السؤ والسطحية وهذا ما نعيشه حاليا في لبنان.
السياسة المالية ليست واضحة لأن الأرقام وحدها غير كافية لقراءة الحاضر وتوقع المستقبل. يجب تحديد برنامج ضمن الامكانيات المتوافرة لتفعيل الجباية وترشيد الانفاق. زادت الأجور مؤخرا ومن الخطاء تمويلها عبر الطبع النقدي الذي يحدث تضخما يأكل الزيادات ويعيدنا الى الوراء. قيادة المصرف المركزي الجديدة ترفض تمويل القطاع العام وبالتالي يجب على وزارة المالية تحصيل الايرادات الضرائبية لتمويل الانفاق. كيف يمكن القيام بذلك في ظل اضراب عام لموظفي القطاع العام؟ لذلك ندور في حلقة مفرغة بل مدمرة لن تنتهي قريبا. أما حرب قطاع غزة وتأثيراتها السياسية والاقتصادية فلا بد وأن تؤخر الحلول المنطقية والدائمة. لذا تبقى أوضاعنا مقلقة وفي غاية الدقة.
Comments