بقلم الدكتور لويس حبيقة
لا شك أن هنالك تخبط عالمي فيما يخص محاربة التضخم. تجارب الماضي لا تصلح لأن طبيعة التضخم الحالي مختلفة. في الماضي، كان التضخم ينبع من الطلب وبالتالي تخفيفه يساهم في تخفيف نمو الأسعار. هكذا كان حال السبعينات وثمانينات القرن الماضي وغيرها من التجارب الحديثة نسبيا. أما تضخم اليوم فهو مزيج من زيادة الطلب وانخفاض العرض، وبالتالي الوسائل التي بيد السلطات العامة محدودة وهنا تكمن المشكلة. كما أن اقتصاد اليوم تغير كثيرا حتى بالنسبة لما كان موجودا في بداية القرن، اذ يمكن وصف الأوضاع بالهروب من العولمة ومن انفتاح الأسواق وهذا يغير كل شيء تقريبا في السياسات والنتائج.
كيف يمكن وصف أوضاع اليوم الاقتصادية العالمية؟ هنالك ضعف عام في النمو كما أشار اليه صندوق النقد الدولي. قدر النمو العالمي في 2022 ب 3,4% ومن المتوقع أن ينخفض الى 2,9% هذه السنة في أفضل الأوضاع والفرضيات. هذا الواقع اصاب أكثرية دول العالم حتى الصين التي انخفض نموها من 8,4% في 2021 الى 3% في 2022. من الدول القليلة التي عرفت النمو القوي هي المملكة العربية السعودية حيث ارتفعت النسبة من 3,2% في 2021 الى 8,7% في 2022، وهي النسبة الأعلى في مجموعة العشرين.
لا يعود النمو السعودي القوي فقط الى ارتفاع أسعار النفط، وانما أيضا الى تطبيق الاصلاحات الداعمة لتنويع وتحرير وتوسيع الاقتصاد ومكافحة التلوث كما تشجيع السياحة والمهرجانات الدولية مما يفسر نسبة التضخم المعتدلة أي 2,8% لسنة 2022. هذه الاصلاحات هي داعمة للاستثمارات ولقطاع الأعمال والمؤسسات العامة. أما نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد، فتضاعفت خلال الأربع سنوات الأخيرة ووصلت الى 33%.
يتم تحديث الاقتصاد عبر التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي. تمتد هذه النجاحات الى دول الخليج الأخرى، وتبين ذلك مؤخرا في قطر خلال استضافة بطولة كرة القدم العالمية حيث أدهشت العالم بحسن التنظيم والاستقرار. أما استضافة دبي لاكسبو 2020، فكان مضرب مثل لحسن التنظيم ولتحويل هذه المنشأت الى حاجات أخرى لا تقل أهمية.
هنالك خوف عالمي من حدوث ركود قوي يطيح بالاستقرار الاجتماعي. هنالك خوف من التأثير المناخي الكبير على البنية التحتية والحركة الاقتصادية ليس فقط في الدول المصابة وانما عاليما. هنالك ضرورة قصوى لأخذ التطور التكنولوجي بمختلف جوانبه جديا، كي يستفاد منه الى أقصى الحدود. قيام المصارف المركزية الأساسية برفع الفوائد هو في محله لضرب التضخم، انما يمكن أن يسبب ركودا في 2024 وبالتالي ارتفاعا في البطالة.
هذا يحدث في وقت يقتنع فيه العالم أن نسب التضخم ستبقى قوية أي يحتاج أكثر فأكثر الى فوائد أعلى وبالتالي خطر الركود يكبر. لا يمكن للمصارف المركزية أن تتفرج على ما يحصل حتى لو اقتنعت أن ليس في قدرتها القضاء على التضخم. لا بد وأن يأتي الحل من العرض بحيث تنخفض نسبة زيادة الأسعار تدريجيا.
Comments