بقلم الدكتور لويس حبيقة
ادارة الدول يجب أن تكون واقعية بل ذكية حتى لو كانت هنالك عقيدة عامة واضحة تؤمن بها. في الاقتصاد الحديث المترابط، هنالك ضرورة للتعاون بين القطاعين العام والخاص. سياسات الدولة الاقتصادية يجب أن تهدف الى تسهيل حياة المواطنين أي الى رفع الانتاجية التي تؤدي الى النمو والبحبوحة. في الدول المتقدمة مع حكومات مسؤولة، تحدد الحكومات التوجهات العامة الهادفة الى تحسين أوضاع الشعب وتسعى الى تحقيقها بالتعاون مع القطاع الخاص.
اذا كان هذا المسار يصف تصرفات حكومات الدول المتقدمة في أوروبا وأميركا وأسيا، نرى أن هذه المواصفات تغيب عن بعض دول المنطقة وعن أكثرية الدول الناشئة والنامية مما يساهم في تفسير ما كان وراء الربيع الشعبي في بعض الدول العربية كما في سريلانكا وغيرها.
في سريلانكا سقط الاقتصاد بعد أشهر من المعاناة بسبب فقدان الغذاء والمحروقات كما الكهرباء. بسبب الشح في الاحتياطي النقدي الأجنبي لم يعد ممكنا استيراد النفط حتى بأسعار مخفضة كما حاولت الحكومة تحقيقه مع روسيا. الديون العامة مرتفعة والدخل السياحي، المصدر المهم للايرادات العامة، انحدر منذ الهجوم الارهابي في سنة 2019.
كما أن ارتفاع أسعار الغذاء والسلع بالتزامن مع الكورونا، جميعها ساهمت في تباطؤ الاقتصاد الى حدود دفعت معها السكان الى الهجوم على مركز رئاسة الجمهورية ومنزل رئيس الوزراء. الكورونا أصابت سريلانكا بقوة والحكومة واجهتها بحملات تلقيح تعتبر ناجحة على المستوى الدولي. الفساد كبير والشعب فقير والأزمة الاقتصادية عميقة. من المتوقع أن ينحدر الناتج المحلي مع تضخم عال يرتفع بسبب أسعار الاستيراد والأوضاع الداخلية. بالرغم من دعم الهند لسريلانكا ب 4 مليارات دولار، ما زالت الأوضاع الاقتصادية سيئة.
انحدر نمو الاقتصاد السريلانكي من 3,3% سنة 2018 الى سلبي 3,6% سنة 2020 واستعاد عافيته فيما بعد، لكنه لا بد وأن يتعثر من جديد. نسبة التضخم في حدود 5% علما أن عجز الموازنة كبير ووصل الى 12,8% من الناتج في سنة 2020 بسبب تخفيضات ضرائبية وانفاق حكومي هادفان الى تنشيط الاقتصاد وتخفيف البطالة.
يفوق الدين العام نسبة 100% من الناتج وهي مرتفعة جدا لدولة متعثرة كسريلانكا. أما ميزان الحساب الجاري، فعاجز بسبب ضعف الصادرات وحاجة الاقتصاد الى استيراد الكثير من السلع الأساسية. الاستثمارات الأجنبية المباشرة متواضعة وهي سنويا أقل من 1% من الناتج أي أن الاقتصاد غير جاذب للاستثمارات الخارجية. الاحتياطي النقدي غطى 3 أشهر من الواردات في 2020 وتدنى الى دون الشهر الواحد أي مستوى خطورة عال.
جميع المؤشرات تفسر الى حد بعيد ما وصلت اليه سريلانكا اليوم. لم يعد بامكان الحكومة الاستدانة من الأسواق المالية فأخذ المصرف المركزي على عاتقه تمويل الانفاق أي عمليا مسببا تضخما كبيرا وانحدارا لسعر الصرف. من المتوقع أن تفتح الأحداث الأخيرة صفحة جديدة في مستقبل الاقتصاد مما يمكن أن يساهم في تحسين أوضاع الشعب ومحاربة الفقر.
Comments