بقلم الدكتور لويس حبيقة
عندما يريد القطاع العام أمرا ما يستطيع تحقيقه. الدولة هي الاطار الجامع للوطن أي للأرض والشعب وتضم القطاعين العام والخاص والمستهلكين والمنتجين وما تبقى. القطاع العام هو مجموعة مؤسسات ووزارات ومسؤولين عنها في السلطات التنفيذية والتشريعية والادارية. في لبنان الانطباع السائد هو أن القطاع العام عاجز، اذ يعشعش فيه الفساد مما يجعله غير قادر على تنفيذ أي مهمات ايجابية لمصلحة اللبنانيين.
واذا نفذ أي مهمة تكون حكما وراءها مصالح خاصة سلبية ظاهرها خير وفي قلبها كل النيات السيئة التي تعطي نتائج سوداء. طبعا هذا الانطباع لم يأت من لا شيء وانما من الممارسات المؤذية المزمنة على مدى عقود.
هل قطاعنا العام عاجز بنيويا أم أن القرارات الجيدة الايجابية غائبة؟ هل هو غير قادر أو غير راغب في اتخاذ القرارات الصحيحة؟ القرارات السلبية والنتائج التي تبعتها لا تحص ولا تعد واللائحة طويلة. لكن لا بد من المرور بالأكثر سلبية بدأ من الكهرباء الى الاتصالات والبنية التحتية، وللأسف وصل الانحدار الى المس بأهم ركائز لبنان والمجتمع أي التعليم والصحة والقطاع المصرفي. ربما لا يمكن توجيه التهم الجرمية للمسؤولين، بل أقله يمكن وصف تصرفاتهم بالتقصير وسؤ الادراك وعدم استباق الأمور بل عدم معالجة المشاكل قبل أن تحصل أو قبل أن تتفاقم.
لبنان دولة صغيرة تحتاج الى الانفتاح مع كل الخارج كي تزدهر اقتصاديا وثقافيا. اقفال لبنان يعني المس بحيويته وقدرته على الاستمرار النوعي. لبنان الدولة الصغيرة يجب أن تتكل على النوعية وليس على الكمية حيث تصبح الخسارة مؤكدة. قبل 1975 كانت جامعاتنا قليلة عددا لكنها مميزة في النوعية واستقبلت طلابا من كل العالم وليس من الدول العربية فقط.
بعد الـ 1975 اخترنا العدد حيث اعطيت الرخص شمالا ويمينا وأصبح لدينا عشرات الجامعات مما سبب تدني المستوى لأن لا قدرة لنا كمجتمع على استيعاب عشرات الجامعات والحفاظ على المستوى العلمي المطلوب. في المدارس فقدنا الكثير من النوعية أهمها في اللغات الأجنبية، اذ أن اللغة العربية بالرغم من أهميتها لا تكفي وحدها لايصال الابداع اللبناني الى العالم.
في القطاع الصحي، تكاثرت المؤسسات من حكومية وخاصة وبقي لبنان مميزا حتى وصول الأوضاع الى ما نحن عليه أي سقوط اقتصادي يدفع العاملين في القطاع وخاصة الممرضين الى الهجرة. لم تعد الأجور تكفي للاستمرار وبالتالي مستقبل القطاع الصحي صعب أي سيعتمد على مؤسسات أقل، ربما لا تقوم بكل ما هو مطلوب منها وبالنوعية المعروفة.
هيكلية القطاع الصحي ستتغير خاصة مع تعثر قطاع التأمين غير القادر على التوازن بين الأقساط والتكلفة. اللبنانيون في أكثريتهم غير قادرين على تسديد أقساط المدارس والجامعات وبالتالي العلاقة الصحية بين الايرادات والتكلفة مفقودة مما يهدد باستمرارية المؤسسات. سياسات الدعم التبذيرية الفاشلة الممارسة على مدى عقود أضرت بنا وكم كنا بحاجة الى هذه الأموال في ظروفنا الحالية الصعبة.
Comments