بقلم الدكتور لويس حبيقة
يقارن "بن برنانكي" حاكم المصرف المركزي الأميركي في فترة 2006 2014 بين تضخم اليوم وما حصل في السبعينات لاقتباس الدروس في المواجهة والحلول. رفع الفوائد كان في السابق يشكل مشكلة فتحصل معارضة شعبية وسياسية له. كان الجو الشعبي يفضل رفع الضرائب لمواجهة التضخم وتبريد الاقتصاد. أما اليوم فالمواطن مقتنع برفع الفوائد بل يطالب علنا بتخفيف الوجع التضخمي، ومنهم من اقتنع بأن المصرف المركزي تأخر في رفعها.
استقلالية المصرف المركزي هي اليوم موضوع احترام عام حيث أكد عليها مؤخرا الرئيس بايدن، بينما حاول الرئيس السابق ترامب تقليصها في التنفيذ. المصارف المركزية اليوم قادرة على المواجهة أكثر من أي وقت مضى بسبب التجارب والخبرات والوسائل التقنية والقانونية المناسبة.
تغيرت أيضا عقيدة المصرف المركزي الأميركي، حيث كان يعتقد أن مصدر التضخم هو العرض وبالتالي وجب تقييد الأجور والأسعار كما حصل أيام الرئيس نيكسون في سنة 1971. فشلت هذه السياسات في ضرب التضخم وحصل ركود كبير. لا شك اليوم أن هنالك مشكلة في العرض نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والمحروقات والمعادن، لكن هنالك أيضا الكورونا وسلاسل الامدادات التي عرقلت نمو الاقتصادات ووصول السلع الى من يريدها. مهمة المصرف المركزي تكمن في معالجة عوامل الطلب، أي رفع الفائدة وتخفيف حجم الكتلة النقدية ووقف شراء السندات في السوق مما يعني تخفيف حجم ميزانية المصرف وهذا ما حصل.
هنالك ثقة عامة دولية واضحة في المصرف المركزي الأميركي أي في قدرته ورغبته في محاربة التضخم. نجاحه في مهمته يعتمد على تخفيف مشكلة سلاسل الامداد التي ليست من صلاحياته. نجاحه يعتمد على تجاوب السلطات المالية معه من ناحية عدم زيادة الانفاق الجاري مؤقتا حتى لو كانت الأهداف محقة أي للصحة والبنية التحتية والتعليم وغيرها.
وضع البنك الدولي مجددا النقاط على الحروف وتوقع انخفاض النمو الدولي حتى 2024. هنالك واجبات على كل الحكومات القيام بها وهي حماية الفقراء نتيجة غلاء الأسعار والمعيشة. مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والمحروقات يمكن أن تحصل عبر دعم بعض السلع أو تقديم مساعدات مباشرة للفقراء. هنالك ضرورة لتخفيف ديون الدول النامية أو أقله جدولتها والغاء الفوائد. يجب الاستمرار في مواجهة الأوبئة والأمراض الجديدة التي نسمع بها من وقت لآخر وهي خطرة.
أخيرا من السياسات الوقائية المهمة تعميم التلقيح ضد الأوبئة، اذ تبقى التكلفة المادية أقل بكثير من تكلفة الاستشفاء. مع كل ذلك، ممنوع اهمال مشاكل التلوث والمناخ والاستمرار في الانتقال الى مجتمعات أنظف تؤثر ايجابا على مستقبل الانسان في كل مكان. لا يمكن اهمال التلوث بسبب تحديات التضخم والركود والبطالة وغيرها، بل يجب الاستمرار في المعالجة وتطبيق السياسات الصحيحة المفيدة على المدى الطويل. تحديات كبيرة نعي جميعا خطورتها، وبالتالي من يحكم اليوم بضمير يواجه صعوبات لكن الفوائد على المجتمع لن تكون أقل والتاريخ لا ينسى من قام بواجبه.
Comments