بقلم الدكتور لويس حبيقة
يقول الاقتصادي "ريشارد بوكستابر" انه لا يمكن للنماذج الاقتصادية المبنية على الرياضيات أن تتوقع المفاجئات. الرياضيات مهمة جدا في تنظيم التفكير وربط المواضيع كما تساعد العلوم الأخرى على تحسين نتائجها في خدمة الطبيعة والانسان. لكن هنالك كوارث تحصل لم يهدف اليها المواطن والمجتمع بالاضافة الى الكوارث الطبيعية والانسانية. تحصل مثلا حوادث غير مقررة في صفوف المواطنين عند شراء بطاقات مباريات الرياضة أو المهرجانات الفنية أو الاحتفالات الكبيرة. يحصل عندها تدافع مؤلم بين المواطنين يذهب ضحيته العشرات، تماما كالأزمات المالية المفاجئة الموجعة.
تختلف كل أزمة عن الأخرى في أسبابها ومحتواها ونتائجها، وبالتالي هنالك ظلم تجاه العلوم الاقتصادية التي لا يمكنها عمليا تغطية كل شيء. خلال الأزمات تتعطل المؤسسات والفرضيات التي تبنى عليها العلوم وبالتالي تخطئ في تنبؤ المستقبل. في الأزمات يتصرف المواطنون بشكل مختلف وبالتالي تأتي النتائج مختلفة. حتى قبل الأزمات في الظروف المعقدة التي تسبقها، تسؤ العلاقات الاقتصادية اكثر مما تتوقع النماذج العادية التي تصبح غير مناسبة. فالانسان متحرك في فكره وشعوره وتصوره وبالتالي لا يمكن توقع تصرافاته.
سابقا كان تأثير التطور التكنولوجي مختلفا لأن الانسان كان مختلفا أيضا. لنعود قرون الى الوراء عندما حصلت ثورة سكك الحديد، فكانت تأثيراتها هائلة على كل جوانب الاقتصاد من الصناعة الى التجارة كما على كافة جوانب الحياة. وقتها قال "كارل ماركس" أن الوقت ألغى المسافات وحول المنتج الى سلعة. تغيرت الحياة مع سكك الحديد وهذا لم يمنع حصول أزمات متكررة ربما لم تكن بحجم وعمق الركود الكبير. قال الاقتصادي البريطاني "جيفونز" ان العلوم الاقتصادية الجدية هي التي تصف واقع الحياة وتفسر الأزمات. لذا في رأيه تحتاج العلوم الاقتصادية الى الرياضيات كأداة أساسية للتفسير. ما يجري اليوم من تطور عبر الذكاء الاصطناعي، هو غير مسبوق في تأثيراته اذ أن المخترعين خائفين منه على المجتمعات والانسان.
ما هي الحلول الممكنة؟ المطلوب عدم تعميم العلاقات الاقتصادية والنماذج العلمية على كل الظروف والأوقات والمجتمعات. تطور الحياة يشكل امتحانا لكل النظريات التي تفشل عندها أو تبقى. يمكن عمليا تقسيم الدراسات الاقتصادية على مراحل زمنية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الانسانية الحتمية في ظروف عالمية متحركة. تطور الحواسب يسمح بايجاد حلول لكافة العلاقات الاقتصادية وبالتالي يمكن أن تكون مرنة أكثر من الرياضيات.
المهم أن لا يعتبر الاقتصاديون في دراساتهم أن المستقبل هو امتداد للماضي، وبالتالي يخطئون كما حصل مرارا في السابق. لا يستفيد الانسان من تجاربه الناجحة والفاشلة اذا اعتبر أن المستقبل امتداد تلقائي للماضي والحاضر. عندها لا يبذل الجهود الكافية لتحسين الاداء أو أقله تخفيف الخسائر تبعا للتجارب السابقة، وهذه مشكلة. فالانسان ليس ماكينة أو آلة تتحرك دون تفكير أو مراجعة كاملة للحاضر والماضي. تطور الأوضاع من تكنولوجيا وحروب وأمراض يفرض تحديث النظريات لتأخذ المفاجأت بشكل أفضل ضمن معياري الشفافية والدقة.
Comments