فؤاد الصباغ
إن التجارة العالمية تعتبر اليوم الشريان الحيوي للإقتصاديات الوطنية بمختلف دول العالم المتقدمة أو السائرة في طريق النمو وأيضا للتجار الصغار والكبار أو لأصحاب الشركات التي تحتاج بدورها إلي مسوق تجاري لمنتجاتهم. فمما لا شك فيه أخذت تلك التجارة علي مر السنين طابع متحول ومتغير جذري علي مستوي نمط البيع والشراء بحيث ظهرت مع مطلع العشرية السابقة نوعية التجارة الإلكترونية علي شبكة الإنترنت والتجارة بالتجزئة في الفضاءات التجارية الضخمة وغيرها والتي تعتبر أنواعا من التجارة التي تختلف جوهريا عن التجارة التقليدية.
فبالتأكيد يعد ذلك القطاع التجاري مربحا جدا وطريق للثراء الحقيقي في وقت وجيز جدا نظرا للأرباح التي يجنيها التاجر من خلال بيع تلك المنتجات يوميا لمختلف الشركات العالمية. ففي هذا الإطار يمكن التطرق إلي نوع جديد من أنواع التجارة والمعروف حاليا بالبيع المباشر Direct Selling وهي بالأساس نوعية من تجارة تحظي بإقبال كثيف بالدول المتقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا ودول الإتحاد الأوروبي. أما نوعية تلك المنتجات العالمية التي يقع الترويج التجاري لها عبر البيع المباشر فهي تختص بالأساس في مواد التجميل للنساء، الأدوية البيو طبيعية والإلكترونيات.
إجمالا تلك النوعية من التجارة تتمثل في إلتقاء طرفين وهما البائع والشاري مباشرة وجها لوجها بحيث يقع تقديم درس من قبل التاجر لمحتوي ذلك المنتج بالتفصيل والتي لا تتوفر تلك الإمكانية في نوعية التجارة التقليدية أو الإلكترونية. إذ هنا يكمن مربط الفرس بحيث تتحول تلك التجارة إلي نوعية جديدة من الترويج المباشر لمنتجات الشركات العالمية ليصبح التاجر هو وكيل تجاري أو بالأحرى مدير تلك الشركة بعد الترقيات التي يمر بها ليكون بدوره شبكة كبيرة من المروجين بالعمولة لتلك المنتجات.
لكن هنا تبرز الفوارق واضحة بين واقعية ذلك البيع المباشر من خلال الدفع والإستلام وبين تخصيص مبلغ نسبة مئوية على كل بيع لمنتج معين داخل تلك الشبكة الهرمية بحيث تكثر في صلبها عمليات النصب والإحتيال أو بما يعرف بالسكام Scam. عموما بعض الأشخاص مازالوا ملتزمون بقواعد عمليات تلك النوعية من البيع المباشر وذلك من خلال إحترامهم لتسديد المنحة لكل مستهلك وحريف جديد لمنتج معين والذي يتحول بدوره إلي مروج لذلك المنتج.
نصب وإحتيال
في كل دولة من دول العالم يوجد الصالح والطالح ولا يمكن بأي حال من الأحوال جمع الجميع في سلة واحدة وتوجيه لهم تهمة ملفقة مسبقا. فالنصب والإحتيال موجود في شتي المجالات والقطاعات وحتى في التجارة التقليدية أو في دواليب الحكومات الفاسدة بطبعها بحيث تكثر داخلها عمليات نهب ثروات الشعب وتحويل تلك الأموال إلي البنوك الأجنبية.
بالطبع هنا تكمن الفوارق واضحة بين سياسي فاسد لا يلاحقه القضاء أثناء مهامه أوتجار فاسد متهم مسبقا قبل بدء العمل نظرا لغياب المصداقية والشفافية من خلال تلك الشائعات أوالحقائق المتداولة في الأسواق التجارية. فعمليات تلك النصب والإحتيال من قبل بعض التجار الفاسدين تتلخص بالأساس في سرقة أموال النسب المئوية داخل شبكته الخاصة أوالترويج للوهم بالثراء السريع دون الإهتمام بالمنتج والإلتزام بذكر منافعه وفوائده علي المستهلك.
فهنا يمكن ذكر بعض الشركات التي تكثر في صلبها عمليات النصب والإحتيال وفقا لمنظمة مراقبة التجارة عبر البيع المباشر وهي بالتحديد شركة "ACN" لبيع الهواتف الجوالة والإلكترونيات وشركة "Herbalife" لبيع المواد الطبية البيو طبيعية.
إن عمليات النصب والإحتيال لا تكمن خطورتها في بيع المنتج مباشرة وجها لوجه بين الجانبين بل تكمن في تكوين تلك الشبكة الهرمية بحيث لا يقع تسديد النسبة المتراكمة عبر جمع النقاط مما يفقد تلك التجارة مصداقيتها ويحولها برمتها إلي مجرد بيع وهم إلي الحرفاء بدون التركيز علي الغرض الجوهري لبيع وتقديم تلك المنتجات للشركات العالمية إلي المستهلكين. فللبحث عن مصدر ذلك الإحتيال يجب التركيز على عملية البيع الأولي بحيث علي البائع الإلتزام بقواعد البيع المباشر من خلال التقديم والإقناع بجودة ذلك المنتج وفوائده على المستهلك.
أما في المقابل على الشاري أن يلتزم بمعرفة نوعية تلك المنتجات وتلك التجارة والذي يعتبر غرضها ليس الثراء والربح بل في تقديم أولوية الإستهلاك للمستهلك ثم التحول إلي الترويج للمروج لتلك المنتجات وسط شبكة يقودها البائع الأول والذي يصبح بدوره مديرا لتلك المجموعة التجارية.
بيع وإقبال
إن عمليات البيع المباشر يشهد إقبالا متزايدا وفقا لتقارير منظمات البيع المباشر العالمية Direct Selling Organization مما يجعلها واقعا تجاريا ملموسا. كما أصبحت تلك النوعية من التجارة أكثر تنظيما بحيث برزت في هذا السياق العديد من العيادات "البيو طبيعية المختصة" لتقديم فحص طبي مباشر للمرضي مما يجعل من ذلك التاجر لتلك المنتجات "طبيبا حقيقيا" بدون تخصص جامعي. فتلك المنتجات تكمن فوائدها خاصة من خلال البيع المباشر لتلك الأدوية "الطبيعية" المقدمة للمرضي منها أمراض الروماتيزم، السكر، الضعف الجنسي، الدم، الأرق والإرهاق وغيرها.
كما إنتشرت معها في هذا السياق بصفة ملحوظة العديد من "الصيدليات البيو طبيعية" والتي أضحت تبيع تلك المنتجات مباشرة للمرضي مع تقديم درسا كاملا وشاملا لكيفية الإستخدام والإستهلاك ثم بعد ذلك التحول إلي بائع مباشر داخل تلك الشبكة. إجمالا هنا تتضح مصداقية تلك التجارة عبر البيع المباشر على أرض الميدان بحيث أصبحت تعتبر مستقبل التجارة الصاعدة والواعدة والتي أصبحت تحظى بإقبال متصاعد ومتزايد.
*كاتب تونسي و باحث اقتصادي دولي
Comments