بقلم الدكتور لويس حبيقة
هنالك يوميا ألاف الأفكار التي تصدر من هنا وهنالك، يوميا يتم انتاج ملايين السلع والخدمات الجديدة التي يفشل معظمها في مراكز الاصدار، لا تعيش وتعمر الا قلة قليلة منها، لماذا تنجح مثلا شركات وتكبر وتتوسع وتفشل أخرى؟، عالميا 25% من المطاعم والمقاهي يقفل خلال السنة الأولى، 60% منها تقفل قبل نهاية السنة الثالثة، نتائج كارثية لمن يستثمر وينفق المال والوقت والجهد على تأسيس شركة أو استثمار أو مشروع، من يختار الأفضل ويسهل له الطرق للامتداد محليا ودوليا؟، من يقرر نجاح أو فشل أي مشروع ولماذا؟، هل يكمن السر في العرض أو الطلب أو في التطبيق أو الطريق بينهما؟
فعلا هنالك سلع وخدمات وأفكار ومشاريع ممتازة لا تعيش، اذ لا يقبلها الناس ليس لأنها سيئة بل لأسباب أخرى ربما لأنها جاءت في غير وقتها أو لم تقدم بالشكل الذي يرغب به الناس أو لأن أسعارها تفوق القدرة الشرائية للناس أو غيرها، ما هي التقنيات التي يجب اعتمادها لانجاح أي فكرة أو مشروع، اذ نعلم أهمية الوقت الذي يستثمر لانضاج فكرة ما وبالتالي الفشل دائما مزعج ومكلف حتى لا نقول مهين لصاحبها، ما هي تقنيات التسويق التي يمكن اعتمادها لانجاح مشروع أو فكرة آخذين في الاعتبار عاملي التكلفة والوقت؟، لا يمكن النجاح اقتصاديا في عالم اليوم من دون اللجؤ الى تقنيات علم النفس ومبادئ العلوم الاجتماعية الواسعة كما يقول الكاتب "جوناه برغر" في كتابه "معد أو، Contagious".
لماذا تنجح أفكار وتفشل أخرى؟، تدرس كليات ادارة الأعمال هذه الأسباب وليس هنالك اجماع حولها لأنها تختلف من مجتمع لآخر أي هنالك أفكار يمكن أن تنجح في بلد ما وتفشل في آخر، عموما، يمكن تلخيص الأسباب الأساسية المشتركة للنجاح والفشل كما يلي:
أولا:، نوعية الأفكار أي هنالك الجيد والسيء، هنالك المفيد والمضر وهنالك الجميل والبشع وغيرها، الأفكار والمشاريع تحمل عموما داخلها مقومات فشلها أو نجاحها، وبالتالي من يصممها هو المسؤول الأول، يبحث العالم اليوم عن الجديد المفيد والملفت للنظر أي الذي يدفع الناس للتكلم عنه وبالتالي يسوق نفسه بنفسه، بين ملايين الأفكار الموجودة يعيش ويزدهر المختلف ايجابا الذي يملئ الفراغ مباشرة.
ثانيا:، السعر هو عامل مهم، سلع ممتازة بأسعار عالية يمكن أن تفشل لأنها ليست مهمة جدا للمواطن وبالتالي يمكنه الاستغناء عنها، تقنيات الأسعار وطرق الدفع والمدة والحسومات هي في غاية الأهمية لمستهلك اليوم الذي يدرس بدقة كيفية انفاقه، موازنات الأفراد أصبحت ضيقة لكثرة الحاجات وتنوعها وتكلفتها وبالتالي وجب الانتقاء الذكي والجيد.
ثالثا:، التسويق مهم جدا وتقنياته تتأرجح بين المكلف كالدعاية التلفزيونية والمجاني أو القليل التكلفة كاللقاءات الفردية أو في ندوات ضيقة، المكلف ليس بالضرورة هو الأنجح، اذ تشير الدراسات الحديثة الى أن أفضل تقنية تسويقية هي الحوار المباشر وجها لوجه بين فرد وآخر أو بينه وبين مجموعة قليلة من الناس، تشير الدراسات الى أن ما بين 20% و 50% من قرارات الشراء مصدرها اللقاءات الفردية والضيقة وليس الاعلام الواسع، طبعا اللقاءات الضيقة تتطلب أوقاتا أكثر وجهدا أكبر لكنها مفيدة أكثر بكثير للاقناع والبيع والتسويق، هي مفيدة لأنها تقنع المستمع عبر الحوار المباشر وتجيب على أسئلته كما لأنها تصيب المهتمين أي أن الهدف واضح وبالتالي يمكن اصابته بفعالية أكبر وأسرع، فقط 7% من الحوارات المباشرة يتم عبر الانترنت وبالتالي غير كاف، الجهد كبير في التواصل المباشر لكن النتيجة أعلى وأفضل وتدوم أكثر.
ما هي أهم العوامل التي تعزز حظوظ نجاح واستمرار فكرة أو خدمة أو مشروع في مجتمعاتنا المعقدة بتقاليدها وتاريخها وعلومها وأدابها؟، لا يمكن اهمال القوانين والمؤسسات المختلفة بين دولة وأخرى والمؤثرة جدا على الأسواق؟
أولا:، يتميز الانسان في مجتمعاتنا بطرق معيشته، أي نأخذ فكرة عن أي شخص عندما نراه عبر ملابسه أو السيارة التي يقودها أو عبر الشخص الذي يرافقه أو عبر المسرحيات والحفلات التي يحضرها، ربما تكون الفكرة الأولى خاطئة لكنها مهمة جدا ولا تزول بسهولة، جميعنا نحاول أن نعطي فكرة جيدة عن أنفسنا للغير عبر المظاهر الخارجية، الفكرة الجيدة تعزز فرص النجاح والاستفادة من اللقاءات وتسهل التواصل مع الغير في المجتمعات المحلية والدولية، المواضيع التي يبحثها أي شخص في المجتمع تعطي فكرة مهمة عنه في العمق والمستوى وبالتالي تقيمه بشكل كبير ومزمن، لذا يحاول المواطن الذكي أن يعطي للغير أفضل صورة عنه حتى لو بذل الجهد لذلك ولم تكن نتيجة طبيعية لشخصيته، الفكرة الجيدة عن النفس للغير تفتح آفاق كبيرة وتشكل وسيلة ناجحة للعلاقات المشتركة والتسويق في الأعمال وغيرها، هي "نقد" فاعل ومهم وربما أهم من النقد العادي كالدولار الذي نستعمله للشراء والمبيع، جميعنا نرغب في أن يتكلم الغير ايجابا عنا في كل الميادين العملية والاجتماعية والترفيهية، هل هنالك وسيلة أفضل من اللقاءات المباشرة لتسويق النفس والفكرة التي نعتمدها؟
ثانيا:، تعلمت شركات الطيران منذ سنوات كيفية جذب المواطنين لشراء البطاقات واستعمالها، أصدرت جميعها برامج تسمح للزبائن بالسفر المجاني مقابل كل عدد من السفرات أو كمية من الكيلومترات، يتهافت الناس اليوم على السفر بسبب الحاجة له للعمل أو الترفيه أو الزيارات، كما لأن الأسعار الحقيقية لبطاقات السفر تدنت على معظم الخطوط خاصة في أوقات معينة من السنة، المسافرون يجمعون النقاط عندما يسافرون لكن المفاجأة أن فقط 10% منهم يستفيدون من السفر المجاني، السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا التسابق على تجميع النقاط عندما يكون استعمالها قليلا؟، تشير الدراسات الى أن المسافرين يرغبون في تجميع النقاط أي في المشاركة في السباق الممتع والفوز وليس في للاستفادة من المنافع، السباق يبقي المواطنين متعلقين باللعبة وملتزمين بالمنافسة والفوز وبالمزيد من النقاط كهدف وليس كوسيلة، هنالك سباق على تجميع النقاط وهذا مهم، أما الاستفادة من المنافع فلا سباق عليه وبالتالي لا يدخل في طبيعة الانسان واهتماماته العليا وذلك على عكس ما يعتقد البعض، هنالك منافسة على النتائج الرقمية تشكل هدفا بحد ذاتها.
ثالثا:، علم النفس مهم جدا لتفعيل التسويق أي اذا نجحت شركة في جعل المستهلك يشعر أنه جزء منها أو فرد من عائلتها، ترتفع المبيعات سريعا وفي الحجم والقيمة، ربط المستهلك بخصائص الشركة يعزز العلاقة ويجعلها فريدة وخاصة، فيشعر أنه مميز وليس كغيره من المواطنين أو الزبائن، العلاقة بين المصدر والمستمع مهمة جدا في نوعيتها وطبيعتها وكفيلة بانجاح أو افشال سلعة أو فكرة أو خدمة، هنا تكمن أهمية التواصل المباشر وجها لوجه بين مسؤول الشركة والمستهلك، أو بينه وبين مجموعة ضيقة معدودة من المستهلكين في حلقات حوار ونقاش مدروسة ومميزة.
رابعا:، يجب تحديد دافع للشراء يختلف من مجتمع لآخر، يرى المواطن يوميا مجموعة من السلع والخدمات في الاعلام والاعلان، فأيهما يختار؟، هنالك محركات تؤثر على تفكير المواطن وتختلف من دولة الى أخرى أو من مدينة الى أخرى في الدول الكبيرة، ما هي هذه العوامل المحركة للتسويق أي التي تذكر المواطن بالسلعة وتدفعه للشراء؟، المستهلك أو المستعمل هو أفضل مسوق للسلعة أو الخدمة أو الفكرة، عموما، يتعلم المواطن من زميله أو صديقه وبالتالي يقلده في الاستهلاك، فيوفر الوقت في البحث ويستفيد من تجربة الصديق المحرك.
Comments