الخوري الدكتور نبيل مونس *
حتّى السماءُ طالها الوجعُ والقلقُ على مصيرِ البشريّة. ظننا أنّنا بعيدون ملايين السنين الضوئيّة عن أهلِ السماء، وإذا بمريمَ، أمِّ يسوع مخلّصِ العالم، تُعيدُ التأكيدَ على رسالةِ ابنِها من السماء، لعلّ الإنسان يفقه ويعي أن اللهَ محبة، وإن قيل فيه أعظمُ الأقوالِ لشرحِ مَن هو، وتمجيدِه، وعبادتِه بما يليقُ ويحقّ لخالقِ الكونِ ومعطي الحياة.
كثيرًا ما عادت مريم إلى زيارةِ أهلِ الأرضِ، مع دموعِها، مطلقةً إنذاراتٍ سماويّةً تحقّقتْ كلّها. ماذا يجري في عقلِ الإنسان؟ لماذا لا يُصدّق؟ لماذا يُفضّلُ الغموضَ والشكَّ والإلحاد، خصوصًا في عالمِنا؟ ألهذا الحدِّ من الرّفضِ والنّقدِ وصلَ في إلغاء الواقعِ الملموسِ والمغمّسِ بالدّم؟
العذراءُ في فاطمة (1917) أظهرتْ، بلطفٍ وحزنِ الأمومةِ والرؤية، أنّ الحربَ العالميّةَ الثانيةَ واقعةٌ إنْ لم يتُبِ الإنسانُ ويعودْ عن غيّه. قليلٌ من سمعٍ وتفهّمٍ وتقبّلٍ وعملٌ على خلاصِ العالمِ وسلامِه، بصلاةِ المسبحةِ الورديّة. كذلك في كيباهو – رواندا (1983)، وأماكنَ أخرى من العالم، جاءتِ العذراءُ بزيارةِ أبنائِها لتحملَ لهم خلاصًا ورحمةً باسم العليّ الخالق.
منذُ بدايةِ رسالتِها، ذكرها لنا الكتابُ المقدّس في إنجيل لوقا بكلّ وضوحٍ للعينِ والقلبِ والعقل، بما يلي:
قال سمعان الشيخ لمريم إنّ ابنَها يسوع سيُجعل لسقوطِ وقيامِ أناسٍ كثيرين، وسيكون علامةً يُقاومها الآخرون، وإنّ سيفَ الحزنِ سيخترقُ روحَها. جاءتْ هذه النبوءةُ عندما حُمل الطفلُ يسوع إلى الهيكل بعد أربعين يومًا من ولادتِه، وعندما قدّمته مريم ويوسف إلى الهيكل لإتمامِ متطلّباتِ الشريعةِ الموسويّة.
أن أنقلَ لك صدى هذا الصوتِ النبويّ، أخي القارئ، فقط باسم الخلاصِ والمحبّةِ والأخوّةِ الإنسانيّة، فلأننا مهما بعُدْنا في المسافات، لا نزال في نفسِ المركبِ الذي يصارعُ الزوابعَ المدمّرة والمهدِّدةَ للبقاء. والأخطرُ من كلّ ذلك هو السقوطُ في الفناء، أي في الظلمةِ البرّانيّة، حيث البكاءُ وصريرُ الأسنان. وهذا لا يعني الفراغَ، إنما يعني الخسارةَ الأبديّةَ للسعادةِ السماويّة. إنّه الحرمانُ الدائمُ من رحمةِ القلبِ الإلهيّ.
* الخوري الدكتور نبيل مونس هو شخصية روحية وفكرية بارزة، يخدم كراعي رعية سيدة لبنان المارونية في ولاية أوكلاهوما الأميركية. وُلد في قرية الشبانية في جبل لبنان، ونشأ في ظل أجواء مليئة بالتحديات السياسية والطائفية، مما صقل رؤيته اللاهوتية والإنسانية
Comments