bah السويداء تنتفض للمطالبة بالإفراج عن النساء الدرزيات المختطفات في ظل صمت رسمي - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

السويداء تنتفض للمطالبة بالإفراج عن النساء الدرزيات المختطفات في ظل صمت رسمي

08/30/2025 - 20:39 PM

Prestige Jewelry

 

 

دمشق - بيروت تايمز - تحقيق اخباري من اعداد الاعلامي جورج ديب

 

منذ منتصف تموز 2025، تصاعدت المواجهات في ريف السويداء بين مجموعات مسلحة محلية وعشائر بدوية، شاركت فيها أيضاً قوات مدعومة من الحكومة السورية، ما أدى إلى اختطاف ما بين 80 إلى 105 امرأة وفتاة من المجتمع الدرزي، نصفهنّ تقريباً قاصرات دون سن الثامنة عشرة. مصير هؤلاء المختطفات ما زال مجهولاً وسط مخاوف من تعرضهن للعنف الجنسي والإخفاء القسري، في ظل غياب أي ضمانات رسمية أو تحقيقات شفافة. في 30 آب، اليوم العالمي للمفقودين، شهدت ساحة الكرامة في مدينة السويداء اعتصامات شعبية حاشدة، رفع خلالها الأهالي صور بناتهم وأخواتهم وهتفوا بشعارات تطالب بالتحرير وكشف المصير، فيما دعت المنظمات النسائية المحلية الأسر إلى مواصلة الضغط الشعبي حتى تستجيب رئاسة الجمهورية وتكشف عن مصير المختفيات.

رغم الاحتجاجات المتكررة، اقتصرت ردود الحكومة على إرسال دوريات أمنية وقوات "لتهدئة الأوضاع"، دون تقديم أي ضمانات بالإفراج عن المختطفات أو محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. هذا التجاهل الرسمي أثار موجة من الاستياء الشعبي، واعتُبر مؤشراً على غياب الإرادة السياسية لمعالجة الأزمة. الرئيس السوري أحمد الشرع لم يصدر أي تصريح مباشر بشأن القضية، ما أثار تساؤلات واسعة حول موقف الرئاسة من حماية الأقليات، وخاصة المجتمع الدرزي، في ظل غياب الرد الرسمي، يرى مراقبون أن الشرع يواجه اختباراً حقيقياً لمدى التزامه بمبادئ العدالة والمساءلة، خصوصاً أن القضية تحوّلت إلى ملف دولي بامتياز.

المرجعيات الدينية الدرزية، وعلى رأسها شيوخ العقل الثلاثة، يوسف الجربوع، حمود الحناوي، وحكمت الهجري، لطالما شكّلت ركيزة أساسية في تشكيل الوعي الجمعي داخل السويداء، ليس فقط على المستوى الروحي، بل أيضاً في إدارة التوازنات السياسية والاجتماعية. تقليديًا، اتسم خطاب هذه المرجعيات بالميل إلى التهدئة والحوار، مع الحفاظ على استقلالية الطائفة ضمن إطار الدولة السورية. لكن منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، ومع تصاعد التوترات الأمنية والانتهاكات ضد المدنيين، شهدت مواقفهم تحولًا جذريًا، تجلّى في تبني خطاب معارض للحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي الأبرز، اتخذ موقفًا متشددًا، رافضًا التعاون مع الحكومة، ومطالبًا بالحماية الدولية للطائفة الدَّرْزِيَّة، خاصة بعد أحداث جرمانا وصحنايا التي شهدت اشتباكات ذات طابع طائفي. هذا الموقف عزز من رمزيته كقائد روحي مقاوم، ورفع من شعبيته بين أبناء الطائفة، الذين رأوا فيه صوتًا صادقًا في وجه الإهمال الرسمي. في المقابل، تبنّى الشيخان حمود الحناوي ويوسف الجربوع موقفًا أكثر انفتاحًا، مشروطًا بضمانات تتعلق بالعدالة والمساواة وحماية الأقليات، مع تأكيدهم على ضرورة أن يُدار الأمن من أبناء المحافظة أنفسهم.

هذا التباين في المواقف بين المرجعيات خلق حالة من الانقسام داخل الطائفة، انعكست على الفصائل المسلحة أيضاً، حيث انقسمت بين مؤيدة للهجري، مثل قوات شيخ الكرامة والمجلس العسكري في السويداء، التي ترفض التنسيق مع دمشق وتدعو لنظام لا مركزي، وأخرى موالية للحكومة مثل حركة رجال الكرامة وأحرار جبل العرب، التي ترى في الاندماج مع الدولة السورية الجديدة خيارًا واقعيًا.

التحول في خطاب المرجعيات لم يكن مجرد رد فعل على الأحداث، بل جاء نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية، أبرزها السياسات الحكومية الجديدة التي شملت قرارات تعيين وتسريح وفصل طالت الآلاف من موظفي القطاع العام، إلى جانب تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية، مما عمّق شعور الطائفة بالتهميش. كما لعبت الأحداث في الساحل السوري، والانتهاكات ضد المدنيين هناك، دورًا في تعزيز القلق الوجودي لدى الدروز، الذين باتوا يخشون من أن يكونوا الحلقة الأضعف في مشروع الدولة الجديدة.

في هذا السياق، تحوّلت المقامات الدينية، مثل مقام عين الزمان، إلى مراكز دعم روحي واجتماعي، تستقبل الزوار في شعائر نذر وتبرك، وتقدم خِدْمَات إنسانية، مما عزز من دورها كمراكز مقاومة رمزية في وجه الإهمال الرسمي. كما أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول "حماية الدروز" أثارت جدلًا واسعًا داخل السويداء، حيث اعتبرها البعض محاولة لتوظيف الطائفة في مشاريع إقليمية تخدم مصالح خارجية، بينما رأى فيها آخرون فرصة للضغط على الحكومة السورية الجديدة.

في المحصلة، تلعب المرجعيات الدينية اليوم دورًا مزدوجًا: فهي من جهة صوت احتجاجي يعبّر عن غضب الطائفة ورفضها للتهميش، ومن جهة أخرى، تمثل نقطة توازن بين الانخراط في الدولة والحفاظ على خصوصية الطائفة. هذا الدور يجعلها فاعلًا محوريًا في أي حل سياسي مستقبلي، ويضع على عاتقها مسؤولية كبيرة في توحيد الصف الداخلي، وتوجيه الحراك الشعبي نحو مسارات تحفظ كرامة المجتمع الدرزي وتضمن حقوقه ضمن سوريا الجديدة.

الناشطون الدروز لم يكتفوا بالاعتصامات، بل أطلقوا حملات إلكترونية وتواصلوا مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مطالبين بتدويل الملف. المرصد السوري لحقوق الإنسان أطلق مناشدة عالمية للتدخل الفوري، مؤكداً أن القضية أصبحت امتحاناً أخلاقياً وإنسانياً للدولة السورية وللمجتمع الدولي على حدّ سواء. منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش شددت على ضرورة مساءلة جهاز الأمن السوري عن اختطاف وتعذيب وإخفاء عشرات النساء والفتيات، محذّرة من استمرار الإفلات من العقاب. تقرير حديث أشار إلى وجود أكثر من 1,600 ضحية من النساء والفتيات في السويداء، منهنّ 539 مختفيات قسرياً، مما يستدعي تحركاً دولياً عاجلاً.

في ظل هذا المشهد المعقّد، تتجه الأنظار إلى رئاسة الجمهورية، التي تواجه ضغطاً شعبياً ودينياً ودولياً متزايداً. فهل سيأتي الرد الرسمي بمعالجة الأزمة وتحديد مصير المختطفات، أم سيظل الصمت سيفاً يرهق ذوي الضحايا ويعمّق الشرخ بين الدولة ومواطنيها من الأقليات؟ هذه القضية لم تعد ملفاً أمنياً محلياً فحسب، بل أصبحت اختباراً لمدى التزام الدولة بحماية مواطنيها، وتحدياً للمجتمع الدولي في فرض آليات إنسانية وقانونية لكسر دوامة الإفلات من العقاب

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment