أنكوراج، ألاسكا – بيروت تايمز متابعة جورج ديب
في لحظة فارقة من التحولات الجيوسياسية، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في قلب ألاسكا، في قمة غير تقليدية تحمل في طياتها أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي. فوسط تصاعد التوترات الدولية، وانقسام المواقف حول ملفات أمنية واقتصادية حساسة، جاءت هذه القمة لتعيد رسم ملامح العلاقة بين واشنطن وموسكو، وتفتح نافذة جديدة نحو إعادة التوازن في النظام العالمي. اللقاء الذي جمع الزعيمين في قاعدة عسكرية أميركية، لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل خطوة مدروسة تحمل رسائل سياسية عميقة، وتؤسس لمسار تفاوضي قد يغيّر قواعد الاشتباك في ملفات أوكرانيا، الأمن الأوروبي، وحتى مستقبل التحالفات الدولية.
في مشهد غير مسبوق، استقبلت مدينة أنكوراج في ولاية ألاسكا، أمس الجمعة، قمة تاريخية جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل قاعدة "إلمندورف-ريتشاردسون" العسكرية، في أول لقاء مباشر بين الزعيمين منذ أكثر من أربع سنوات، وسط ترقب عالمي لمخرجات اللقاء الذي استمر ساعتين و45 دقيقة.
تحول في البروتوكول... ورسائل رمزية
خلافاً لما كان متوقعاً، تحوّل الاجتماع الثنائي المغلق إلى لقاء موسّع ضم ثلاثة مسؤولين من كل جانب. فقد انضم إلى ترامب وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، بينما رافق بوتين وزير الخارجية سيرغي لافروف ومستشاره يوري أوشاكوف. اللقاء الذي كان من المفترض أن يُستكمل بغداء موسّع تم إلغاؤه دون توضيح الأسباب.
في لفتة رمزية، استقل بوتين سيارة ترامب الرئاسية "الوحش" متخلياً عن سيارته الروسية المعتادة "أوروس"، في مشهد التقطته عدسات الصحافة العالمية، واعتُبر مؤشراً على رغبة الطرفين في كسر الجليد.
مؤتمر صحفي مشترك... ونبرة تفاؤلية
عقب المحادثات، عقد الزعيمان مؤتمراً صحفياً مشتركاً اتسم بنبرة إيجابية. بوتين وصف اللقاء بأنه "بناء"، مؤكداً أن المحادثات جرت في أجواء من الاحترام المتبادل، وأنها تمهد لتطبيع العلاقات بين البلدين. من جانبه، قال ترامب: "عقدنا اجتماعاً مثمراً للغاية واتفقنا على الكثير من النقاط"، مضيفاً أنه سيجتمع مجدداً مع بوتين "على الأرجح قريباً".
أوكرانيا في قلب المحادثات
الملف الأوكراني كان محورياً في القمة، إذ كشف بوتين أنه شرح لترامب الرؤية الروسية للتسوية، مشدداً على ضرورة ضمان أمن أوكرانيا مع مراعاة المطالب الروسية. ترامب بدوره أشار إلى "تقدم كبير"، معلناً نيته التواصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين قريباً.
وفي تصريح لاحق لقناة "فوكس نيوز"، نصح ترامب زيلينسكي بإبرام اتفاق، قائلاً: "نقترب جداً من التوصل لتفاهم، لكن القرار النهائي يعود لأوكرانيا".
إشارات إلى لقاء ثلاثي... وموسكو على الأجندة
في ختام المؤتمر، وجه ترامب دعوة لبوتين للتواصل مجدداً، فرد الأخير بأن اللقاء المقبل سيكون في موسكو. كما ألمح الكرملين إلى إمكانية عقد اجتماع ثلاثي يضم زيلينسكي إذا تحققت نتائج ملموسة في ألاسكا.
خلفية تاريخية... وأبعاد رمزية
تُعد هذه القمة أول لقاء روسي أميركي يُعقد داخل الأراضي الأميركية منذ عام 1988، وتحمل رمزية خاصة كونها جرت في ولاية كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية قبل بيعها للولايات المتحدة. بوتين أشار إلى أن "ألاسكا لا تزال تحتفظ بتراث ثقافي غني من الحقبة الروسية"، مؤكداً أن الجغرافيا لا تلغي القرب التاريخي بين البلدين.
وبينما غادر الزعيمان دون الإفصاح عن تفاصيل المحادثات، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت قمة ألاسكا تمثل بداية فعلية لانفراج سياسي، أم مجرد محطة رمزية في طريق طويل من التجاذبات. فالعالم يترقب ما إذا كانت هذه المصافحة العابرة للقارات ستترجم إلى خطوات ملموسة على الأرض، خصوصاً في ملف أوكرانيا الذي بات معياراً لجدية أي تفاهم أميركي–روسي. وفي ظل تصاعد التحديات العالمية، من أمن الطاقة إلى إعادة تشكيل التحالفات، تبدو هذه القمة كأنها اختبار جديد لقدرة الدبلوماسية على تجاوز منطق الصراع، والعودة إلى لغة الحوار. فهل تكون ألاسكا نقطة انطلاق نحو عهد جديد من التوازن الدولي؟ أم أنها ستُضاف إلى أرشيف اللقاءات التي لم تُثمر؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
Comments