أنكوراج، ألاسكا – بيروت تايمز متابعة جورج ديب
شهدت قاعدة "جويت بيس إيلمندورف-ريتشاردسون" اليوم اجتماعًا تاريخيًا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أول قمة ثنائية على الأراضي الأميركية منذ عام 2007. وصف ترامب اللقاء بـ"الفرصة الحاسمة"، في وقت حساس بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا، فيما اعتبره الجانب الروسي علامة على عودة موسكو إلى دائرة الفاعلية الدبلوماسية.
في كلمته الافتتاحية، شدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري، قائلاً: "لن أكون سعيدًا إذا لم يحدث ذلك اليوم". وأوضح أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، دون أن يشمل ذلك عضوية أوكرانيا في حلف الناتو. من جهته، أبدى بوتين استعداد روسيا للتفاوض، مشيرًا إلى إمكانية تجميد خطوط الجبهة الحالية مقابل تخفيف العقوبات الغربية ووقف توسع الناتو، مع فتح المجال لاحتمالات التعاون في اتفاقيات السيطرة على التسلح.
من جانبه أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا مستعدة لمناقشة وقف العمليات العسكرية مؤقتًا، شريطة تخفيف العقوبات الغربية ووقف توسع الناتو نحو الحدود الروسية، وهو موقف يعكس سعي موسكو لتحقيق مكاسب سياسية من القمة دون التخلي عن مكاسبها الميدانية في أوكرانيا. كما شدد بوتين على أهمية فتح قنوات للحوار بشأن السيطرة على التسلح، معتبراً أن أي اتفاق دولي يجب أن يحمي مصالح روسيا الاستراتيجية ويضمن توازن القوى في أوروبا. تصريحات بوتين حملت أيضًا رسالة ضمنية إلى الغرب، مفادها أن روسيا لن تُجبر على التنازل، وأن دور موسكو على الساحة الدبلوماسية يعكس قوتها واستقلال قرارها، ما جعل بعض المحللين يصفون اللقاء بأنه "لحظة رمزية لتعزيز المكانة الدولية لروسيا".
الوفد الأميركي ضم وزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوث الخاص إلى روسيا ستيف ويتكوف، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، ووزير الدفاع بيت هيغسث، إضافة إلى رئيسة الأركان سوسي وايلز. فيما جاء الوفد الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومستشار السياسة الخارجية يوري أوشاكوف، ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف، ووزير الاقتصاد أنطون سيليانوف، ورئيس صندوق الاستثمار الروسي المباشر كيريل ديميترييف.
على الأرض، شهدت مدينة أنكوراج تظاهرات مؤيدة لأوكرانيا، حمل خلالها المتظاهرون لافتات كتب عليها "ألاسكا تقف مع أوكرانيا"، معبرين عن قلقهم من أي اتفاق قد يمس سيادة أوكرانيا أو يكرّس الوضع القائم على الأراضي المحتلة.
ترامب حرص على تصوير نفسه كوسيط عالمي يسعى لتحقيق السلام، مؤكدًا أنه "ليس هنا ليتفاوض نيابة عن أوكرانيا، بل لجلب الجميع إلى طاولة الحوار"، وأشار إلى إمكانية عقد قمة ثلاثية تشمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إذا سارت المباحثات بشكل إيجابي. وفي المقابل، شدد زيلينسكي على رفض أي تسوية دون إشراك بلاده، مؤكّدًا ضرورة تحقيق "سلام عادل" دون التنازل عن أي شبر من الأراضي الأوكرانية.
في العواصم الأوروبية، أبدى صانعو القرار قلقهم من أن تُستغل القمة لتجميد الوضع الراهن فعليًا، ما قد يُعتبر اعترافًا غير رسمي بسيطرة موسكو على مناطق محتلة. ورغم تصريحات ترامب حول تعليق أي علاقات اقتصادية مع روسيا حتى إنهاء الحرب، لم يخف الجانب الروسي شعوره بأن حضور بوتين إلى واشنطن يمثل "انتصارًا سياسيًا" واستعادة لمكانة موسكو على الطاولة الدبلوماسية.
المحللون في المجلس الأطلسي ومراكز أبحاث غربية أخرى يشيرون إلى أن مجرد انعقاد القمة على الأراضي الأميركية يمثل "جائزة دبلوماسية" لروسيا، وأن النتائج الفعلية ستكشف ما إذا كان ترامب سيحقق مكاسب حقيقية للسلام، أم أن اللقاء قد يتحول إلى "جائزة رمزية" لموسكو دون تقدم ملموس.
باختصار، تُعد قمة ألاسكا اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الطرفين في التوصل إلى حل سلمي، ولقدرة ترامب على تحقيق نتيجة ملموسة على الأرض مقابل الضغوط الدولية، في حين يسعى بوتين إلى استثمار اللحظة لكسب مكاسب رمزية وسياسية. وما ستسفر عنه هذه القمة من وقف دائم لإطلاق النار أو اتفاقات جوهرية، سيُكشف عنه لاحقًا من خلال مؤتمر صحفي مشترك أو التسريبات الرسمية التي ستتبع الحدث.
Comments